للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلْسلَهُ وضَايقَهُ على تَسْليم ما بيَده من البِلادِ والقِلَاع، فتَسَلَّمها بأسْرِها وحَاصَر الجَنَد، وحَلَف لأهْلها على أمَانهم منه ومن عَسْكَره.

فلمَّا فَتَحُوا الأبْوَاب هَجَمَ بعَسْكَره وأباحَهُم دِمَاءَ أجْنَادِها، وأمْوَال أهْلها ونسَائهم حتَّى حُكي أنَّهُ اقْتُضَّ في البَلَدِ سِفَاحًا نحو ثَلاثمائة بِكْر فَضْلًا عن الثُّيَّب، وقُتِلَ في المَسْجِد نَفَران من الفُقَهَاء في المُدَافعةِ عن حَرِيْمهما، وأنَّ مَسْجِدَها الأعْظَم؛ مَسْجِد مُعَاذ بن جَبَل، انْتُهكت حُرْمَتُه وهُدمَتْ جُدْرانُه عند الهَجْمة وانْصَرف عنها، وحَاصِر قِلَاع يَاقُوِت، واسْتَخْلَصَ بعضَها، وسَار إلى زَبيْد في أوَائِل المُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين فحاصَرها وقاتلها قِتَالًا شَدِيْدًا، ونَصَبَ عليها السَّلاليْم.

واتَّفق مَرَضُ صَارِم الدِّين خُطْلُبَا، وضَعْف مُنَّته وإفْلَاسهُ ممَّا يُنْفقهُ في العَسْكَر، واخْتِلَاف وُجُوه النَّاسِ عليهِ، وضَعْف قُلُوب أهْل زَبِيْد بقُوَّة عُثْمان بالمَال والرِّجال، وفَتْكه فيما اسْتَعْصَى عليه من البِلادِ، وإتْلَافه أمْوَالَهُم الظَّاهِرة، ومَوَادَّهم من النَّخِيْل والكُرُوم والأشْجَار، وتَخْريب الضِّيَاع، وتَعْطِيل المَزَارِع، فجَمَعِ خُطْلُبَا أُمَرَاء المِصْرِيِّن الّذين معه: قرا سُليْمان، ودُقش وغيرهما، وقال: تَرَونَ ما نَزَلَ بنا وما نحنُ عليه من عَدَم المالِ والرِّجَال، ومتى مَلَكَ هذا الطَّاغِيَةُ زَبِيْد مَلَكَ اليَمَن كُلّها، وإنِّي أرَى أنْ نُرَاسِل حِطَّان ونَسَتَحْلفهُ على بَذْلِ جُهْده من المالِ والرِّجال والنَّفْسِ في المُدَافَعة عن هذا البَلَدِ، ودَفع هذا الرَّجُل عنه، فرَأى الجَمَاعَة ذلكَ الرَّأي، ورَاسَلُوا حِطَّانَ بن مُنْقِذ، وعَرَّفُوه الأمْرَ، وكان قد أنْجَدَهُم قبلِ ذلك بأخيهِ مُحَمَّد بن كَامِل في فُرْسَان عدِّة، وكذلك أنْجَدَهُم يَاقُوت بعَسْكَرٍ، ولَم يزَل التَّرَدُّد بينَهم وبين حِطَّان حتَّى اسْتَوْثَقَ بعضُهم من بعض بالأيْمان.

ودَخَل حِطَّان زَبِيْد في ثامن صَفَر، وماتَ خُطْلُبَا في عَاشِره، وأطلقَ حِطَّان الأمْوَال والخلعَ في العَسْكَر، وتألَّفَ القُلُوبَ، وتَجَرَّدَ لقِتَالِ عُثْمان وَأصْحَابهِ، ومَنَعَهُم من الخُرُوج من خِيَامِهم، ثمّ أشَار الأُمَرَاءُ المِصْرِيُّون بمُرَاسَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>