للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفِرِنْج إذ ذاك، فَمرض صَاحِبُ الأثَارِب سِيْر مَنْويْلِ، وهو ابن أُخْت صَاحِب أنْطَاكِيَة، فدَخَل إليه وعالجَهُ حتَّى بَرَأ، فلمَّا أبَلَّ مَرَضِهِ سَيَّر سِيْر مَنْويْل إلى حَمْدَان وقال له: تَمَنَّ، فطَلَبَ منه قَرْيَةً، فأعْطَاهُ معرْبُونيّةَ، فسَكَنَ فيها مُدَّة ثلاثين سَنَة، وعَمَّرها واتَّخذها مَنْزِلًا، فأرْسَل إليهِ الشَّيْخ أبو الحَسَن بن أيي جَرَادَة يَعْتِبه على مقامه تحت أيْدِي الفِرِنْج ويَلُومُه على ذلك، فكَتَبَ إليه (١): [من البسيط]

وقَائل عَائِب لي إذ رَأى شَغَفِي بقَرْيَةٍ … ليس سُكَّناها من الشَّرَفِ

ماذا دَعَاكَ إلى هذا فقُلْتُ له … صُرُوفُ دَهْرٍ وصَرْف الدَّهْر غير خَفِي

بُخْلُ الوَفيّ وإعْرَاض الرَّضِيِّ وتَقْـ … ـصِيْرُ الصَّفِيّ وظُلْم المُشْرف الحَنَفِيّ

فإنْ أقمتُ به فالمِسْكُ موْطنُهُ … في جِلْدَةٍ ومَقَر الدُّرِّ في الصَّدَفِ

قال: فهَجَرتهُ زَوْجَتُه بنْتُ المُعَمَّم، وامْتَنَعَت من الخُرُوج إليه إلى القَرْيَة، فكَتَبَ إلى ابن أخيهِ المُنْتَجَب أبي سَالِمٍ بن أبي الحَسَن بن عبد الرَّحيم: [من الخفيف]

يا أبا سَالِمٍ سَلمِتَ على مَـ … ــرِّ اللَّيالِي وزادَكَ اللهُ قَدْرَا

وأرتْني فيكَ الأمَانِي وفي صنْ … ــويك ما أبْرَقَ الغَمَامُ ودَرَّا

خُذْ حَدِيثي واعْرِفْهُ لا تُعْدَم … حرفًا حَرْفًا وسَطْرًا سَطْرَا

أنا شَيْخ هِمٌّ وقد أكَلَ الدَّهـ … ــرُ شَبَابي واعْتَضْتُ باليُسْر عُسْرا

سَاكِنٌ في خَرَابةٍ بين قَوْم … دَأبهُم كُلُّهُم حِرَاثُ الصَّحْرَا

لا أرَاهُم ولا يَرَوْنِي إلَّا … مثِل غَمر الأحْبَاب بالجَفْن سِرَّا

وإذا ما جَلَسْتُ فيهِم فما أَسْـ … ـمَعُ منهم إلَّا كَلَامًا هُجْرَا

قَاسَ زَرْعِي وخَاس قُطنِي … وقد أَعْنَبَ ثَوْري ومشْفَنِي قد تَفَرَّا

هذه ألْفَاظٌ يستعملُها الفَلَّاحُون فيما بينهم.


(١) الأبيات في معجم الأدباء ٣: ١٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>