وأينَ أنتَ يا أَمِير المُؤْمنِيْن عن بناتِ سَائِر المُلُوك، وما خُصِصْنَ به من الخَفَرِ (١) وحُسْنِ الأُنْسِ، والتَّلَذُّذ بلَذيْذ العَيْش.
وتخلَّل خَالِد بلِسَانهِ؛ فأطْنَبَ في صِفَاتِ ضُرُوب الجَوَارِيّ، وشوَّقهُ إليهنَّ، وأَمِير المُؤْمنِيْن يُريْهِ أنَّهُ يُعْجبُه ما يقُول. فلمَّا فرَغَ قال له: يا خَالِد، ما سَلَكَ مَسَامِعي قَطّ كَلَامٌ أعْجَب إليَّ ولا أحْسَن من كَلَام سَمِعْتُهُ منكَ، فأعدْهُ عليَّ، فقد وقَعَ منِّي مَوْقعًا خاصًّا، فأعادَهُ عليه بأحْسَن ممَّا ابْتَدأهُ به، ثمّ قال له: انْصَرف.
وبَقي أبو العبَّاسِ مُفكِّرًا فيما سَمِعَ من خَالِد، وهو يُصَرِّفُ رأيَهُ، ويُقَسِّمُ أمْرَهُ، إذ دَخَلَتْ عليه أُمّ سَلَمَة، وكان أبو العبَّاس حَلَفَ لها ألَّا يتَّخذ عليها سُرِّيَّةً ولا حُرَّةً، فلمَّا رَأتْهُ مُتَفَكِّرًا مُتَغيِّرًا قالت: إنِّي لأُنْكِرُكَ يا أَمِير المُؤْمنِيْن! فهل حَدَثَ أمرٌ تَكْرَهَهُ أو أتاكَ خَبْرٌ ارتَعْتَ له؟ فقال لها: لا، والحَمْدُ للّهِ.
ثمّ لَم تَزَل تَدْنُو منه وتَسْتَخْبره حتَّى أخْبَرها بمَقَالَةِ خَالِد، فارتاعَتْ وقالت: فما قُلْتَ لابن الزَّانيَةِ؟ فقال: أينصَحُني وتَشْتُمِيه، فخَرَجَتْ، فأرْسَلَتْ إلى مَوَالِي لها من البُخاريَّة، فأمرَتْهُم بضَرْب خَالِد.