فلمَّا كان من غَدٍّ، دَخَل النَّاسُ إلى خَالِد واسْتَوى السِّمَاطَان بينَ يَدَيْهِ، تقدَّمَ الأعْرَابيّ وهو يَقُول:
إليكَ ابن كُرْز الخَيْر أقْبَلْتُ رَاغِبًا
فأشارَ إليه خَالِد بيَدِه أنْ اسْكُت، ثُمَّ أنْشَد خَالِد بَقِيَّة الشِّعْر، وقال له: يا أعْرَابيُّ، قد قيل هذا الشِّعْرُ قبل قَوْلك! فتَحيَّر الأعْرَابِيُّ، ووَرَدَ عليه ما أدْهَشَهُ، وقال: تاللهِ ما رَأيْتُ كاليَوْم سَبَبًا لخَيْبة وحِرْمَانٍ، فانْصَرَفَ، وأتْبَعَهُ خَالِدٌ برَسُول ليَسْمَع ما يقُول، فسَمِعَهُ الرَّسُولُ يقول:[من الطويل]
ألَا في سَبِيْل اللهِ ما كُنْتُ أرْتَجي … لَديهِ وما لاقَيْتُ من نَكَدِ الجَهْدِ (a)
دَخَلْتُ على بَحْرٍ يَجُودُ بمَالِهِ … ويُعْطِي كَثِيْرَ المالِ في طَلَبِ الحَمْدِ
فقال له الرَّسُولُ: أجب الأَمِيرَ، فلمَّا انْتَهى إلى خَالِدٍ قال له: كيف قُلْت؟ فأنْشَدَه، ثُمَّ اسْتَعادَهُ فأعادَهُ ثلاثًا إعجْابًا منه به، ثُمَّ أمَرَ له بعَشَرة آلاف دِرْهَمٍ.
قال المُعَافَى (١): قَوْله فلَم تُلْفَى، والوَجْه: فلَم تلْفَ، ولكنَّه اضْطُرَّ فجاءَ بهِ على الأصْلِ كما قال الشَّاعرُ (٢): [من الوافر]
ألَم يأتيكَ والأنْباءُ تَنْمِى … بما لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ
وقد اسْتَقْصَينا هذا البابَ في غير هذا المَوضِع (٣).