للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا كان من غَدٍّ، دَخَل النَّاسُ إلى خَالِد واسْتَوى السِّمَاطَان بينَ يَدَيْهِ، تقدَّمَ الأعْرَابيّ وهو يَقُول:

إليكَ ابن كُرْز الخَيْر أقْبَلْتُ رَاغِبًا

فأشارَ إليه خَالِد بيَدِه أنْ اسْكُت، ثُمَّ أنْشَد خَالِد بَقِيَّة الشِّعْر، وقال له: يا أعْرَابيُّ، قد قيل هذا الشِّعْرُ قبل قَوْلك! فتَحيَّر الأعْرَابِيُّ، ووَرَدَ عليه ما أدْهَشَهُ، وقال: تاللهِ ما رَأيْتُ كاليَوْم سَبَبًا لخَيْبة وحِرْمَانٍ، فانْصَرَفَ، وأتْبَعَهُ خَالِدٌ برَسُول ليَسْمَع ما يقُول، فسَمِعَهُ الرَّسُولُ يقول: [من الطويل]

ألَا في سَبِيْل اللهِ ما كُنْتُ أرْتَجي … لَديهِ وما لاقَيْتُ من نَكَدِ الجَهْدِ (a)

دَخَلْتُ على بَحْرٍ يَجُودُ بمَالِهِ … ويُعْطِي كَثِيْرَ المالِ في طَلَبِ الحَمْدِ

فحَالَفَني الجَدُّ المَشُومُ لِشِقْوَتي … وقَارَبَني نَحْسِي وفَارَقَني سَعْدِي

فلَو كانَ ليْ رزْقٌ لدَيهِ لَنِلْتُهُ … ولكِنَّهُ أمْرٌ منَ الوَاحدِ الفَرْدِ

فقال له الرَّسُولُ: أجب الأَمِيرَ، فلمَّا انْتَهى إلى خَالِدٍ قال له: كيف قُلْت؟ فأنْشَدَه، ثُمَّ اسْتَعادَهُ فأعادَهُ ثلاثًا إعجْابًا منه به، ثُمَّ أمَرَ له بعَشَرة آلاف دِرْهَمٍ.

قال المُعَافَى (١): قَوْله فلَم تُلْفَى، والوَجْه: فلَم تلْفَ، ولكنَّه اضْطُرَّ فجاءَ بهِ على الأصْلِ كما قال الشَّاعرُ (٢): [من الوافر]

ألَم يأتيكَ والأنْباءُ تَنْمِى … بما لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ

وقد اسْتَقْصَينا هذا البابَ في غير هذا المَوضِع (٣).


(a) الجريري: الجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>