يا مُوسَى، اجْعَل الزُّهْدَ والتَّقْوَى لباسَك، والعِلْم والذِّكْرَ كَلَامَكَ، واسْتَكْثر من الحَسَناتِ؛ فإنَّك مُصِيْبُ السَّيِّئَاتِ، وزَعْزِع ما بالخَوْفِ قَلْبَك، فإنَّ ذلك يُرْضِي ربَّك، واعْمَل خَيْرًا فإنَّك لا بُدَّ عَامِلٌ شَرًّا. وقد وَعَظْتُ إنْ حَفِظْتَ. قال: فتَولَّى الخَضِر عليه السَّلام حَزِينًا مَكْبُوتًا يَنْظُر.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن أبي المَعَالِي الحَلَبِيُّ، بقِرَاءَتي عليه بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن نَصْر بن مَنْصُور بن عليّ بسَمَرْقَنْد، قال: أخْبَرَنا السَّيِّدُ أبو المَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زَيْد الحُسَيْنيُّ البَغْدَاديُّ إمْلاءً بسَمَرْقَنْد، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو العَلَاء مُحَمَّد بن عليّ بن يَعْقُوبَ الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن الحَسَن بن عليّ اليَقْطِيْنيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المُعَافَى الصَّيْدَاوِيّ بِصُوْر، قال: حَدَّثَنَا أبو يَحْيَى زَكَرِيَّاء بن يَحْيى الوَقَّار، قال: قُرئ على عَبْدِ اللَّه بن وَهْب، وأنا أسْمَعُ، قال الثَّوْرِيّ: قال مُجَالِد: قال أبو الوَدَّاكِ، قال أبو سَعيدٍ الخُدْرِيّ: قال عُمَرُ بن الخَطَّابِ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، قال أخي مُوسَى عليه السَّلام: يا رَبّ، وذَكَر كَلِمةً فأتاهُ الخَضِرُ، وهو فَتًى طَيِّبُ الرّيح، حَسَنُ بَيَاضِ الثِّيَابِ؛ مُشَمِّرُها، فقال: السَّلامُ عَليْك ورَحْمَة اللَّه يا مُوسَى بن عِمْران، إنَّ رَبّكَ يقرأُ عليكَ السَّلامَ، قال مُوسَى: هو السَّلامُ، وإليه السَّلَامِ، والحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالَمِين الّذي لا أُحْصِي نِعَمَهُ، ولا أَقْدرُ على شُكْره إلَّا بمَعُونَته، ثمّ قال مُوسَى عليه السَّلام: أُرِيْدُ أنْ تُوصيني بوَصِيَّةٍ يَنْفَعُني اللَّهُ بها بعدَكَ، قال الخَضِرُ:
يا طَالِبَ العِلْم، إنَّ القَائِلَ أقلَّ ملَالةً من المُسْتَمِع، فلا تُمِل جُلَسَاءك إذا حَدَّثْتَهم، واعْلَم أنَّ قَلْبَكَ وِعَاءٌ فَارِغٌ، فانْظُر ماذا تَحْشُو به وِعَاءَكَ، وانْحَرف عن الدُّنْيا وانْبِذها؛ فإنَّها ليْسَت لك بدَارٍ، ولا لكَ فيها مَحَلّ قَرار، وإنَّما جُعِلَتْ بُلْغَةً للعِبَادِ، وتَزوَّد منها للمعَاد، ورُضْ نَفْسَك على الصَّبْر تَخْلص من الإثْم.