للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ذلك، فكاتَبَ أُمَرَاء مِصْر في إخْرَاج المَلِك الصَّالِح أَيُّوب من سِجْنِ الكَرَك وتَمْلِيكه الدِّيَار المِصْرِيَّة، فأَجَابُوا إلى ذلك، وأخْرَجَهُ من السِّجْن، وسَار به إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة، وقَبَض الأُمَرَاءُ على المَلِك العادِل ببُلْبَيْس، ودَخَلَ المَلِك النَّاصِرُ دَاوُد والمَلِك الصَّالِح أَيُّوب إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة، ومَلَكَها، وأقامَ المَلِك النَّاصِر معه بها مُدَّة، وكان قد عاهدَهُ على أُمُور لَم يَف المَلِك الصَّالِح له بها، فنَزَل من الدِّيَار المِصْرِيَّة إلى بلادِهِ، ثمّ حَصَل بينهما وَحْشَة اقْتَضَت أنْ أخَذَ منه نابُلُس، وبَقِي في يَدِه الكَرَك، والصَّلْت، وعَجْلُون وفيها عليّ بن قِلْج من جِهَة المَلِك النَّاصِر.

ثُمّ نَزَلَ المَلِك الصَّالِح إلى الشَّام، وتَسَلَّم من المَلِك النَّاصِر الصَّلْت، ولَم يَبْقَ بيَده غير الكَرَك، ثمّ أرْسَل إلى الكَرَك عَسْكَرًا يَحْصُرها، فنَزَلَ المَلِك النَّاصِر دَاوُد منها، وقَصَدَ حَلَب وأبْقَى أوْلَاده بها، وقَدِمَ حلَبَ وَافِدًا على المَلِك النَّاصِر يُوسُف بن مُحَمَّد بن غَازِي في يَوْم الأرْبَعَاء الرّابع والعشرين من شهر رَبيع الأوَّل من سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعين وسِتّمائة، وخَرَجَ المَلِك النَّاصِر يُوسُف وتَلَقَّاهُ إلى قَرَنْبِيَّا، وكُنْتُ معه، وأنْزَله في دار قَيْصَر الطَّاهِريّ بالحَاضِر، وأقام له الضِّيَافَة والرَّاتِب، ووَصَل إليه الخَبَر بحَلَب باسْتِيْلَاء عَسْكَر المَلِك الصَّالح أيُّوب على الكَرَك بتَسْليم أوْلَاده إليهم، وبقَي بحَلَب مُقِيْمًا في ضِيَافة المَلِك النَّاصِر إلى أنْ توجَّه المَلِك النَّاصِر يُوسُف إلى دِمَشْق بعد قَتْل المَلِك المُعَظّم تُوْرَانشَاه بن أَيُّوب (١)، وفَتَحَ دِمَشْق وهو معه، وبَدَتْ منه أحْوَال أُنْكِرت عليهِ.

وطَلَب من المَلِك النَّاصِر الأذِنَ في التَّوَجُّه إلى بَغْدَاد، فأذِنَ له، وزَوَّدَهُ، فأُبْلغَ عنه أنَّهُ رُبَّما خبَّطَ عليه، فاعْتَقَله وسَيَّرَهُ إلى حِمْص وسَجَنَهُ في قَلْعتها، وشَفع فيه الخلِيفَة المُسْتَعْصِم، فأُطْلِق من الاعْتِقَالِ، وعادَ إلى دِمَشْق في شَهْر شَوَّال من سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وسِتّمائة.


(١) كان قتل الملك المعظم تورانشاه الأيوبي في سنة ٦٤٩ هـ. المقريزي: المقفى الكبير ٢: ٦٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>