ثُمَّ تَوَجَّه إلى بَغْدَاد، وشَفَّع المُسْتَعْصِم (a) في أنْ يُرَتِّب له ولأوْلَاده ما يقُوم بهم، فأجَابَهُ المَلِك النَّاصِر إلى ذلك، وعاد إلى دِمَشْق وأقامَ بها، وأطْمَعَهُ جَمَاعَة من الأُمَرَاء البَحْرِيَّة بمُلْك دِمَشْق وتَحَدَّث معهم في ذلك.
وبَلغَ المَلِك النَّاصِر ذلك، فاسْتَشْعَر منه، وطَلَبَ الأذنَ في المَسِيْر إلى بَغْدَاد، وسَارَ إليها، فلم يُؤْذَن له بالدُّخُول إليها (١)، فَمضَى إلى الحِلَّة، وكان له بها جَوْهَر نَفِيْس أوْدَعه في الدِّيْوَان، فلم يَسْمَحُوا له به، وصَالَحُوه على أنْ أطْلقُوا له ذَهَبًا، وطَلَبَ العَوْد إلى الشَّام، وسَمَح المَلِك النَّاصِر له في ذلك، فعادَ إلى جِهَة الكَرَك، واتَّصَل بالعُرْبَان في تلك النَّاحِيَة، وتوهَّم منه المَلِكُ المُغِيْث صَاحِب الكَرَك، فعَمِل عليه حتَّى قَبَضَهُ وسَجَنَهُ.
واتَّفقَ وُصُول التَّتَار إلى بَغْدَاد، فسَيَّرَ المُسْتَعْصِم رَسُولًا في طَلَبه ليُقَدِّمهُ علِى العَسَاكِر ويَلْتَقي التَّتَار، فوَصَل الرَّسُولُ، وأخْرَجَهُ من السِّجْن، وقَدِمَ به إلى دِمَشْق، وأُنْزل بالبُوَيْضَا (٢) من الغُوْطَة، ووَصَل الخبرُ باسْتِيْلَاء التَّتَار على بَغْدَاد، فأقام بالبُوَيْضَا، ووَكَّل المَلِكُ النَّاصِرُ بهِ بعض الأُمَرَاءِ وهو نازلٌ في دارٍ بالبُوَيْضَا كانت لعَمِّه مُجِيْر الدِّينِ يَعْقُوب ابن المَلِك العادِل، واجْتَمَعْتُ به فيها غير مَرَّة، ولَم يَزَل بها إلى أنْ ماتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.