للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَدِمَ دُبَيْس مرَّةً ثانيَةً إلى حَلَب حين أُسِرَ بنوَاحي صَرْخَد؛ أسَرَهُ ابنُ طُغْتِكِين فبَاعَهُ علِى زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر صَاحِب حَلَب بخَمْسِين ألف دِيْنار، وخَافَ من زَنْكِي، فلمَّا وَصَلَ إلَى حَلَب أطْلَقَهُ وأكْرَمَهُ واحْتَرَمَهُ، وأنْزَله في دار لاجِيْن بحَلَبَ، وأعْطَاهُ مائة ألف دِيْنارٍ، وخلَع عليه خِلَعًا سَنيَّة.

فأمَّا مُنَازَلة دُبَيْس حَلَب، فكان سَبَبُها أنّ دُبَيْسًا نَهب بَلَد بَغْدَاد في سَنَة أرْبَع عَشرة وخَمْسِمائَة، وسَارَ بنفْسه إلى بَغْدَاد، وضَرَبَ خِيَمَهُ بإزاء دَار الخَلِيفَة المُسْتَرْشِد، وأظْهَرَ ما فىِ نَفْسه منه، وتهدَّد المُسْتَرْشِد، وذَكَرَ له أنَّهُ طِيْفَ برَأسِ أبيهِ صَدَقَة، فأنْفَذَ المُسْتَرْشِد إليه شَيْخ الشُّيُوخ إسْمَاعِيْل برسالةٍ ضَمِنَ فيها أنْ يُصْلح بينَهُ وبين السُّلْطان مَحْمُود، فكَفَّ عن الأذَى، وسارَ إلى الحِلَّة في رَجَب.

ووَصَل السُّلْطان مَحْمُود إلى بَغْدَاد، فأَنْفَذَ دُبَيْس زوجَتَهُ بنت عَميدِ الدَّوْلَة ابن جَهِيْر ومعها أمْوَالٌ عَظِيمَة وهَدَايا سَنِيَّة، وسَألَ العَفْو، فأجَابَهُ السُّلْطانُ إلى ذلك على قَاعدةٍ لَم يَرْضَ بها، ولَم يُجب إليها، ثمّ إنَّهُ نَهَب جَشِيْر (١) السُّلْطان، فسَارَ السُّلْطانُ إلى الحِلَّة لمُحَارَبتهِ، فأرْسَل دُبَيْسٌ نِسَاءَهُ وأمْوَالهُ على البَطائِح، وسَارَ إلى إيلْغَازِي بن أُرْتُق، والْتَجَأ إليه، وأقامَ إلى سَنَة خَمْس عَشرة وخَمْسِمائَة.

ووَصَل السُّلْطان إلى الحِلَّة ولم يَرَ بها أحدًا، فعادَ وعاد دُبَيْس من مُسْتَقرِّه عند إيلْغَازِي إلى الحِلَّة، ودَخَلَها ومَلَكها.

وسَيَّر دُبَيْس إلى المُسْتَرشِدِ والسُّلْطانِ يَعْتَذر إليهما، فلَم يَقْبلا عُذْرَهُ، وسَيَّرا عَسْكَرًا عَظيْمًا إليه، ففَارَق الحِلَّة وقَصَد الأزيْزَ (٢)، فوَصَل العَسْكَر الحِلَّة، وحَفظُوا


(١) الجشيرُ: الجُوالق الضخمة، توضع فيها الحبوب ونحوها. لسان العرب، مادة: جشر.
(٢) الأزيز: أرض بالعراق قرب النيل على نهر سنداد كما هو مذكور في أصول كتاب مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري ١: ٢٩٤ واستبدلها محققه بـ: "أرض العذيب" اعتمادًا على ياقوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>