للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخَرَجَ بنفْسه، وعبَّأ البُرْسُقِيّ عَسْكَر بَغْدَاد، ووَقَفَ المُسْتَرْشِد، ورَاءه وبينَ يَدَيْهِ الدُّعَاةُ والمُقْرِئُونَ، وبين يَدي دُبَيْس الإمَاءُ والمَخَانِيْثُ بالدُّفُوف والمَلَاهي، فحَمَلَ العَسْكَر الدُّبَيْسيُّ على عَسْكَر الخَلِيفَة فكَشَفَهُ مَرَّتَين، فحَمَل زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر فهَزَم عَسْكَر دُبَيْس، وأسَرَ أميرَيْن من عَسْكَره، وانْهَزَم دُبَيْس بعَسْكَره وألْقَوا أنْفُسَهم في الماء، وكان ما نَذْكُره.

ودَخَلَ المُسْتَرْشِد ظَافِرًا يَوْم عَاشُوْراء، وطَلَب دُبَيْس غَزِيَّة والمُنْتَفِق (١)، واتَّفق معهم، وتَوَجَّه إلى البَصْرَة، فدَخَلَها وقَتَلَ أميرها، ثمّ خافَ فخَرَجِ عنها وسار على البَرِّيَّة، وحَمل ما قَدر عليه من أمْوَالهِ، ووَفَدَ على مَالِك بن سَالِم بن مَالِك بقَلْعَة جَعْبَر فاسْتَجَارَ به، فأجَارَهُ وقَبِلَهُ، وأغْضَبَ المُسْتَرْشِدَ والسُّلْطان (٢).

ثُمَّ إنَّ دُبَيْسًا صَادَقَ جُوسْلِين وبَغْدَوين الفِرِنْجيَّيْن وصَافَاهمُا بوَسَاطَة مَالك له معهما، واتَّفق مع الفِرِنْجِ على حِصَار حَلَب، وكاتَبَ قَوْمًا من أهْلِ حَلَبَ، وأنْفَذَ لهم جُمْلَةَ دَنَانِيْر، وسَامَهُم تَسْليمها إليه، فكشَفَ ذلك رَئيسُها أبو الفَضائِل بن بَدِيْع، فأَطْلعَ عليه تَمُرْتاش بن إيلْغَازِي صَاحِب حَلَب، فأخَذَهُم وعذَّبَهم كُلّ عَذَابٍ أمْكَنَهُ، وشَنَق بعضَهم، وصَادَرَ بعضًا، وأحْرَق بعضًا.

وطَمع دُبَيْس بحَلَب لغَيْبَة تَمُرْتاش بمَارِدِين، واشْتِغَاله بمَمْلَكتها، بعد أنْ خَرَج تَمُرْتاش من حَلَب في الخامِس والعشْرين من رَجَب سَنَة ثَمان عَشرة وخَمْسِمائَة، وأخْرَج بَغْدَوين من السِّجْن، وقرَّر عليه ثَمانين ألف دِيْنار، وأنْ يُسَلِّم قَلْعَة عَزَاز (a)


(١) قبيلتان من عرب نجد؛ فغزية هم بنو غزية بن أفلت بن ثعل، بطن من طئ. (قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان للقلقشندي ٨٧ - ٨٨) والمنتفق: قبيلة من بني عقيل، ومنازلهم: الآجام والقصب التي بين البصرة والكوفة من العراق. (قلائد الجمان ١٢١)، وانظر أيضًا: تاريخ ابن الوردي ٢: ٥١، وفيه أنه طلب معونة غزية فلم يطيعوه، فاتفق مع المنتفق.
(٢) انظر تاريخ ابن القلانسي ٢٠٢ - ٢٠٣، وابن الأثير: الكامل ١٠: ٥٩٨، وابن خلدون: العبر ٧: ٨٨٤، ٩: ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>