للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، وحَلَّفَهُ على ذلك، ورَهَن جَمَاعَةً من الفِرِنْج اثْنَى عَشر نَفْسًا أحدهم ابن الجُوسْلِين، وعَجَّل من المال عِشْرين ألف دِيْنار، فلمَّا أنْ خَرَجَ، غَدَر ونَكَثَ، وعَزَم على قَصْد حَلَب وحِصَارها، ورَحَلَ إلى نَهْر قُوَيْق وأفْسَد كُلّ ما عليه، وضَايَق حَلَب، وكان دُبَيْس قد مَضَى إلى تَلّ بَاشِر إلى الجُوسْلِين، فبَرَزا من تَلّ بَاشِر، وقَصَدَا ناحيَة الوَادِي وأفْسَدا كُلّ ما فيه بما قِيْمتُه مائة ألف دِيْنارٍ.

وأخْبَرَني وَالدِي، رَحِمَهُ اللهُ، عن أَبِيهِ أنَّ دُبَيْسَ بن صَدَقَة عَاهَد الفِرِنْج على أنَّهُم يُحاصرُونَ حَلَب، وتكون الأنْفُس والأمْوَال للفِرِنْج، والبِلاد لدُبَيْس.

قال لي وَالدِي عن أبيهِ: ولمَّا طَالَ الحِصَار بهم، وقلَّت أزْوَادهم، وَقَع فيهم المَرَض، فكان يَمُرّ المارُّ في الأسْوَاق فيجد المَرْضَى على الدَّكَاكيْن، فإذا قَارَب الفِرِنْج والعَسْكَر البَلَد لقِتَال ووَقَع الصَّائح، قَامَ المَرْضَى مع شِدَّة مَرضهم وقَاتلُوا أشَدَّ قِتَالٍ وردُّوا العَدُوّ.

قال لي وَالدِي: وبَلَغَني أنَّ عَوَامَّ حَلَب كانوا يَصْعدُون أسْوارَ المَدِينَة عند حِصَار دُبَيْسٍ ويَضْربُون بطَبْلٍ صَغِير ويَصِيحُون: يا دُبَيْس، يا نُحَيْس!

وتوجَّه جَدُّ أبي القَاضِي أبو غَانِم والشَّريفُ النَّقِيْب وابن الجِلِّيّ يَسْتَغيثُون إلى تَمُرْتاش فما أغَاثَهُم، فهَرَبُوِا إلى المَوْصِل من مَارِدِين، وحَضَرُوا عند البُرْسُقِيّ، وطَلَبُوا مَعُونتهم فأجَابَهم، ووَصَل إلى حَلَب، ورَحلَّهم عنها، وقد ذَكَرْنا ذلك في تَرْجَمَةِ البُرْسُقيِّ (١).

ثُمَّ إنَّ دُبَيْسًا مَضَى إلى سَنْجَر السُّلْطان، فسَلَّمَهُ سَنْجَر إلى السُّلْطان مَحْمُود في سَنَة ثَلاثٍ وعشرين (b)، وأوْصَاهُ به، فأخَذَهُ صُحْبتَه، فأخَذ دُبَيْس ولدَه، في


(a) الأصل: قلعة عزار.
(b) بعده في الأصل كلمتان مطموستان، وفوقهما بخطٍ دقيق: "سنجرًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>