للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكُنْتُ أُسَايرُه في يَوْم مَطِيْر وعليه مِمْطَر (١) خَزٍّ وبُرْنُس منه، فأمَرَ لي به، ودَعا بغَيره جَدِيدٍ فلبسَهُ، وقال: إنَّما آثرتكَ باللَّبيْسِ لأنَّهُ خَيْرُ المِمْطَرين، قال: فأُعْطِيْت بهِ ثَمانين دِيْنارًا فلَم تَطب نَفْسِي ببَيْعهِ، وقَضَيْتُ حَاجَاتي وكَرَرْتُ رَاجِعًا إلى العِرَاقِ، فلمَّا صِرْتُ ببعضِ الطَّريق خَرَج علينا أكْرَادٌ يُعْرفُون بالهَاونجان (a) فسَلَبُوني وسَلَبُوا القَافِلَة، وكان ذلك في يَوْمٍ مَطِيْر، فاعْتَزلتُ في قَمِيْص خَلقٍ قد بَقي عليَّ، وأنا مُتأسِّفٌ من جَميع ما كان معي على القَمِيْص والمنْشَفَة اللَّذين وَهَبَهُما لي عليّ بن مُوسَى الرِّضَا، إذ مَرَّ بي وَاحدٌ من الأكْرَاد تَحْتهُ الأصْفَر الّذي حَمَلني عليهِ ذو الرِّيَاسَتَيْن وعليه المِمْطَر الخَزُّ، ثُمَّ وقَفَ بالقُرْبِ منِّي وابْتَدأ يُنْشد: مَدَارِسُ آياتٍ، ويَبْكي!

فلمَّا رأيتُ ذلك عَجِبتُ من لصٍّ يَتَشَيَّع، ثمّ طَمعتُ فيِ القَمِيْص والمنْشَفَة، فقُلتُ: يا سَيِّدِي، لمَن هذه القَصِيدَهُ؟ فقال: ما أنتَ وذاكَ وَيْلكَ؟ فقُلْتُ: لي فيه سَبَبٌ أُخْبرك بهِ، فقال: هي أشْهَر بصَاحِبها من أنْ يُجْهَلَ، فقُلتُ: مَنْ هو؟ قال: دِعْبِل بن عليّ الخُزَاعِيِّ، شَاعِر آل مُحَمَّد جَزَاهُ الله خَيْرًا، فقُلتُ لَهُ: يا سَيِّدِي، فأنا واللهِ دِعْبِل وهذه قَصِيْدَتي، فقال: وَيْلَك ما تقُول؟ قُلتُ: الأمْرُ أشْهَرُ من ذلك، فاسْأل أهْلَ القَافِلَة تُخْبَر بصِحَّةِ ما أخْبَرتُكَ بهِ، قال: لا جَرم واللهِ لا يذهَبُ لأحدٍ من أهْلِ القَافِلَة خلالَةٌ فما فَوْقها، ثمّ نَادَى في النَّاس: مَنْ أخَذَ شيئًا فليرُدَّه على صَاحِبه، فرَدَّ على النَّاسِ أمْتعَتهم وعلى جَميع مَنْ كان معي حتَّى ما فَقَدَ أحَدٌ عقَالًا، ثمّ بَذْرَقَ بنا إلى مَأمَنِنَا، فقال لي قَوْس: فحَدَّثْتُ بهذا الحَدِيْثِ عليَّ بن بَهْرَام الكُرْدِيّ فقال: ذاكَ واللهِ أبي الّذي فَعَلَ هذا.


(a) كذا رسمها في الأصل بإهمال النقط سوى الحرف الأخير، وفي كتاب التنوخي: الماريخان، ويذكر زرار صديق توفيق أن اللفظة تصحفت عند التنوخي، وأن الصواب: المازنجان -أو: البازنجان، كما في كتب الجغرافيين- وهي قبيلة كردية كبيرة، ونَسَب إليها قطع الطريق على الشاعر دعبل. انظر: توفيق: القبائل والزعامات القبلية الكردية في العصر الوسيط (أربيل: مؤسسة موكرياني، ٢٠٠٧ م)، ص ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>