للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضَاقَ الأمْرُ بأهْلِ حَلَب، ومَضَى بعضُهُم إلى بَغْدَاد، واسْتَغاثُوا في أيَّام الجُمَع، ومَنَعُوا الخُطَبَاء من الخُطْبَة مُسْتَصْرِخين بالعَسَاكِر الإسْلَاميَّة على الفِرِنْج، وكَسَرُوا بعض المَنَابِر، فجهَّز السُّلْطان مُحَمَّد بن مَلِكْشاه: مَوْدُود (a) صَاحِب المَوْصِل، وأحْمَدِيْل الكُرْدِيّ، وسُكْمَان القُطْبِيّ في عَسَاكِر عَظِيمَة ضَخمة، وماتَ سُكْمَان قَبْل وُصُوله إلى حَلَب.

ووَصَلت العَسَاكِر إلى حَلَب، فأغْلَق رِضْوَان أبْوَاب حَلَب في وُجُوههم، وأخَذَ إلى القَلْعَة رهائن عنده (b) من أهْلها لئلَّا يُسَلِّمُوها، ورتَّبَ قَوْمًا من الجُنْد والبَاطنِيَّةِ الّذين في خِدْمته لحِفْظ السُّوِر، ومَنَعَ الحَلَبِيِّيْن من الصُّعُود إِليه، وضَبَرَ (١) إنْسَانٌ من السُّور، فأمَرَ به، فضُرِبت عُنُقه، ونَزَع رَجُلٌ ثَوْبَهُ ورمَاهُ إلى آخر، فأمَرَ بهِ فأُلْقي من السُّور إلى أسْفَل!

وبَقِيَت أبْوَابُ حَلَب مُغْلَقةً سَبعْ عَشرة ليلةً، وأقام النَّاسُ ثلاثَ ليالٍ لا يَجِدُونَ ما يَقْتَاتونَهُ، وكَثُرت اللُّصُوصُ، وضَافَ الأعْيَانُ على أنْفُسهم، وسَاءَ تَدْبِير المَلِك رِضْوَان، فأطْلَق العَوَامُّ ألْسِنَتَهم بسَبِّه وتَعْييبه، وتحدَّثُوا بذلك فيما بينَهُم، فاشْتَدَّ خَوْفُهُ من الرَّعِيَّةِ أنْ يُسَلِّمُوا البلَد، وتَرَكَ الرُّكُوبَ بينَهُم، وبَثَّ الحَرَاميَّة تَتَخَطَّفُ مَنْ يَنْفرِدُ من العَسَاكِر فيأخُذُونَهُ، وعاثَ العَسْكَرُ فيما بَقِي سَالِمًا ببَلَد حَلَب بعد نَهْب الفِرِنْج له.

ورَحَل العَسْكَر إلى مَعَرَّة النُّعْمَان بعد اسْتيْلَاء الفِرِنْج عليها في آخر صَفَر من سَنَةِ خَمسٍ وخَمْسِمائَة، وأقامُوا عليها أيَّامًا، وقدَّم عليهم أتَابِك طُغْتِكِين، فرَاسَل رِضْوَان بعْضَهم حتَّى أفْسَد ما بينهم، وظَهَرَ لأتَابِك طُغْتِكِين منهم الوَحْشَة،


(a) يذكره قريبًا باسم: ممدود، ويرد مثله - على الوجهين - في العديد من المصادر.
(b) الأصل: عند.

<<  <  ج: ص:  >  >>