وجاءَ الفَرَّاشُونَ بزُبلٍ قد غُشِّيَت بالأدم مَمْلُوءة دَنَانِيْر ودَرَاهِم نصْفَيْن فصُبَّت في الفُرْجَتين حتَّى ارتَفَعَت على الصَّوَاني، وأمر النَّاس أنْ يَشْربُوا ويتَنقَّلِ مَنْ يَشْرب من تلك الدَّنَانِيْر ثلاث حَفناتٍ بكفِّه كأنها ما كانت، وكُلّما خفَّ مَوضِعٌ جيءَ بالزُّبل فرُدَّ إلى حالِهِ، ووقَفَ غِلْمَانُ في آخر المَجْلِس فصَاحُوا: إنَّ أَمِير المُؤْمنِيْن يقُول لكم: ليأخُذ مَنْ شَاء ما شاء، فَمدَّ النَّاسُ أيْدِيهم إلى المالِ فأخَذُوه، وكان الرَّجُل منهم يُثْقلُه ما معه فيَخْرج فيُسَلِّمه إلى مَنْ معه ويَرْجعُ، وخَلَعَ على سَائر النَّاسِ بعد أنْ صُلِّيَت الظُّهْر خِلَعًا حسَانًا على مَرَاتبهم، وكذلك بعد العَصْر والمَغْرب، وأعْتَقَ ستَّة آلاف نسَمة، ولَم يتَخلَّف عن هذا الأمر أحدُ، وكان فيه جُلَسَاء المُتَوَكِّل كُلّهم.
قال: وكانت دَعْوَةُ المَأْمُون حين بنى بُوْرَان ابْنة الحَسَن بن سَهْل تُسَمَّى دَعْوَة الإسْلَام حتَّى جاءت دَعْوَة بَرْكُوَارَا، فقيل هي مثْلُها، وقيل أقلّ وأكْثَر.
قال الصُّوْلِيّ: وحدَّثَني ابن المُعْتَزّ (١)، قال: حدَّثَني العَنْبَرِيّ، قال: حَدَّثَني حَمَّاد بن مُحَمَّد، عن ابن السِّمْط، قال: لمَّا نُثِرَ على المُعْتَزّ يَوْم بَرْكُوَارَا لَم ألْتَقِط، فقال لي المُتَوَكِّل: لِمَ لا تَلْتَقط؟ وأنْكر ذلك! فقُلتُ: خفْتُ أنْ أُوَلِّيكَ ظَهْري، قال: أمَّا تَرَى الفَتْح يَلْتَقط؟ فالْتَقطتُ، وقُلتُ:[من الرجز]
هذي سَمَاءُ تُمطِرُ الدَّرَاهِما
عند إمامٍ يَعْمُرُ المَكَارِمَا
خَلِيفَةٌ قد ولَد الضَّرَاغِما
جاء بهم خلائفًا أكَارِما
لا زال مُلْكُ الأرْضِ فيهم دَائما
(١) كلام ابن المعتز نقله الرشيد بن الزبير في كتابه التحف والذخائر ١١٥ - ١١٦.