للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخَمْسِمائَة، وجاءه الخبرُ من المَوْصِل أنَّ نَصِيْر الدِّين نائبَهُ بالمَوْصِل قُتِلَ (١)، فخافَ عليها، وسار حتَّى دخَلَ المَوْصِل، وأخَذَ فرخَافشَاه ابن السُّلْطان الّذي قَتَلَ نَصِيْر الدِّين جَقَر بن يعْقُوب، فقتَلَه بدَم نَصِيْر الدِّين.

سَمِعْتُ شَيْخَنا قاضِي القُضَاةِ أبا المحاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، قاضي حَلَب، رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: كان عندنا بالمَوْصِل رَجُلٌ يُقال له مُولى يُؤذِّنُ بالمَدْرَسَة، وكان أشْقَر، شَكْلهُ شَكْل الأرْمَن، وكان جَهْوَريّ الصَّوْت، وكان له قَرْيَةٌ مَلَّكَهُ إيَّاها أتَابِك زَنكِي، فسَألتُهُ عن السَّبَب في تَمْليْكه القَرْيَة، فقال: إنِّي كُنْتُ مع أتَابِك لمَّا نَزَل مُحَاصِرًا للرُّهَا، فنَزلتُ إلى السُّوق واشْتَريْتُ لباسًا من لباسِ الأرْمَن، وتزيَّيْتُ في زيِّهِم، ووصَلْتُ إلى البَلَدِ لأنظُرَهُ وأكْشفَ حَالَهُ، فَجئْتُ إلى الجَامع فدَخَلْتُه ورَأيْتُ المَنَارَة، فقُلْتُ في نَفْسِي: أصْعَدُ إلى المَنَارَة وأُؤَذِّن وحتَّى يَجْري ما جَرَى! فصَعَدْتُ ونادَيْتُ: الله أكْبَر، الله أكْبر، وأذَّنْتُ والكُفَّار على الأسْوَار، فوَقَع الصِّيَاح في البَلَدِ: أنَّ المُسْلمِيْن قد هَجَمُوا البَلَدَ من الجِهَةِ الأُخْرى، فَتَرَك الكُفَّارُ القِتَال وَنزَلُوا عن السُّور، فصَعدَ المُسْلمُون وهَجَمُوا المَدِينَة، فأعْطَاني أتَابِكُ هذه القَرْيَة لذلك.

قَرَأتُ في تاريخ حَرَّان، جَمْعُ أبي المَحَاسِن بن سَلامَة الحَرَّانيّ، قال: حَدَّثَني أبي رَحِمَهُ اللهُ، قال: كان أتَابك زنْكِي بن قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر رَحِمَهُ اللهُ إذا رَكبَ مَشَى العَسْكَر خَلْفَه كأنَّهُم بين حَيْطَين مَخَافَة أنْ يَدُوسَ العَسْكَر شَيئًا من الزَّرْعِ، ولا يَجْسُر أحدٌ من هَيْبَته يَدُوس عِرْقًا من الزَّرْع، ولا يَمْشي فَرَسُه فيهِ، ولا يقدر أحدٌ من الأجْنَادِ يأخُذُ لفلَّاح عِلَاقَة تبْن إلَّا [بثَمنها] (a) أو بخَطٍّ من


(a) كلمة أفسدتها الرطوبة، والمثبت من زبدة الحلب ٢: ٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>