للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّيْوَان إلى رَئيسِ القَرْيَة، وإنْ تعَدَّى أحدٌ صَلَبَه عليها، وكان إذا بَلَغهُ عن جُنْدِيٍ أنَّهُ تعدَّى على فلَّاحٍ قَطَع خُبْزَهُ وطَرَدهُ، حتَّى عمَّر البِلَاد بعد خَرَابها، وأحْسَن إلِى أهْلِ مَمْلَكَته، وكان لا يُبْقي على مُفْسِد، وأوْصَى وُلاتَهُ بأهْلِ حَرَّان وعُمَّاله، ونَهَى عن الكُلَف والمَغَارم والسُّخَر والتَّثْقِيل على الرَّعِيَّةِ، وأقام الحُدُودَ في بلادِهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. هذا ما حَكَاهُ أبو المحاسِن عنه (a).

وسَمِعْتُ من جَمَاعَةٍ من فَلَّاحي حَلَب أنَّهُ كان عليهم منه جَوْر وظُلْم في أيَّام ولايته، وأكْثَر ما كان يُذْكر عنهُ من الظُّلْم ما يلزم النَّاس به من جَمْع الرَّجَّالَة للقِتَال والحِصَار، فإنْ كان ذلك في جِهاد الكُفَّار، فقد كان يجبُ عليهم ذلك، وله إلْزَامهم به، وبَلَغَني أنَّهُ كان لا يَتَجَاسَر أحدٌ من رَعيَّته كائنًا مَنْ كان أنْ يَظْلم أحدًا من خَلْقِ الله، ويقُول: لا يتَّفق ظالمِان، يعني نفسَهُ وغَيْره (b).

وبَلَغَني أنَّ أتَابِك زَنْكِي تَزَوَّج خَاتُون بنت المَلِك رِضْوَان [وبَني بها في] (c) دَيْر الزَّبِيْب خَارِج مَدِينَة حَلَب، وكان إذْ ذاك فيه بقايا عِمارَة، ودَامَتْ معه بحَلَبَ إلى أنْ دَخَل يوْمًا إلى الخِزَانَة بحَلَب [ليَعْتَبر] (d) ما فيها، فرَأى الكِبْر الّذي كان على أبيهِ آقْ سُنْقُر حين أسَرهُ تَاج الدَّوْلَة تُتُش وقَتَلَهُ بينَ يَدَيْه صَبْرًا، وهو مُلوَّث بالدَّم، فقيل له: هذا كِبْر أبيك الّذي قُتِلَ فيه، فانْزَعَج لذلك وَأخَذَهُ بيَده، ودَخَلَ على زَوْجته بنت المَلِك رِضْوَان، وألْقَى الكِبْر بينَ يديْها وهو مُضَمَّخٌ بالدَّم، وقال لها: أمَا هذا فعْل مَنْ لا رَحمهُ الله؟ يعني: جَدَّها تَاج الدَّوْلَة تُتُش، ثمّ هَجَرها من ذلك اليَوْم، وانْقَطَعَ عن الدخُول إليها، ودَامَ على ذلك.

فَحدَّثني عَمِّي أبو غَانِم، عن أَبيِهِ أبي الفَضْل، قال: كان أتَابِك زَنْكِي


(a) في زبدة الحلب ٢: ٤٧١: هذا ما حكاه أهل حران عنه.
(b) في زبدة الحلب ٢: ٤٧١: ظالم واحد، يعني: نفسه.
(c) ما بين الحاصرتين أفسدته الرطوبة والمثبت من زبدة الحلب ٢: ٤٣٩.
(d) أفسدتها الرطوبة وانظر: زبدة الحلب ٢: ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>