للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتزوِّجًا بنت المَلِك رِضْوَان فهَجَرَها، وبَقىَ مُهاجِرًا لها مُدَّة من الزَّمان، فجاءت إلى وَالدِي القَاضِي أبي غَانِم وهو قاضي حَلَب إذ ذاك، وقالت له: أيُّها القَاضِي، قد جئتُكَ مُتَمسِّكةً بذَيْلك، ومُسْتَجيْرة بالشَّريْعَة المُطَهَّرة، فإنِّي مع أتَابِك لا أعْلَم حالي معه، أمُطَلَّقة أم مُعَلَّقة، وأنا مَهْجُورة من مُدَّة طَوِيلَة، فوَعَدها الاجْتِمَاع بهِ في ذلك، ثمّ صَعدَ إليهِ إلى القَلْعَة ولَقِيَهُ وهو رَاكبٌ على الباب، فقال له: يا مَوْلاي، قد جاءت إليَّ خَاتُون وذَكَرَت لي كَذَا وكذا، قال: فسَاقَ أتَابِك فَرَسَهُ ولَم يُجِبْهُ بشيءٍ، قال: فأمْسَك وَالدِي بلِجَام الدَّابَّة ومَنَعَهُ من المَسِيْر، وقال: يا مَوْلايّ، هذه الشَّريْعَة المُطَهَّرة لا يَنْبَغي الخُرُوج عنها، فقال أتَابِك: اشْهَد على أنَّها طالقٌ، قال: فأرْسَل وَالدِي حينئذٍ لِجَام الدَّابَّة من يَدِه، وقال: أمَّا السَّاعَة فنَعَم.

وسَمِعْتُ عَمِّي أبا غَانِم يَقُول: قال لي وَالدِي أبو الفَضْل: لمَّا مَاتَ أبي القَاضِي أبو غَانِم، وولَّاني أتَابِك زَنْكِي القُضَاءَ بعدَهُ على أهْلِ حَلَب وأعْمَالها، وأحْضَرَني مَجْلسَهُ، وقال لي: يا قَاضي، هذا أمرٌ قد نَزَعتُه من عُنُقي وقَلَّدتُكَ إيَّاهُ، فانْظُر كيف تكُون، واتَّق اللّه، سَاوِ بين الخَصْمَين هكذا؛ وجَمَع بين سَبَّابته ووُسْطاه، ولا تَمِل على أحد الخَصمَيْن، ولا تُحاب أحدًا، ومَنْ امْتَنَع عليك فها أنا من وَرَائك.

أخْبرَني أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّطِيْف بن مُحَمَّد بن أبي الكَرَم بن المُعَلَّى السِّنْجَارِيّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: كان بالمَوْصِل رَجُلٌ من أهْلِ الصَّلَاح يُنْكر المُنْكَر أين رَآهُ، فإنْ رَأى خَمْرًا أرَاقهُ، أو رَأى جَنْكًا أو عُوْدًا كَسَرهُ، فيُضْرَب على ذلك، فيَجْلِس في بَيْته ويُدَاوي أثرَ الضَّرْب، ثمّ يَخْرُج، فإنْ رَأى مُنْكَرًا أنْكَرَهُ على عَادَته، فيُضْرب ضَرْبًا عَنِيفًا، فيَجْلِس في البيت على العَادَة ويُدَاوي نفسَهُ إلى أنْ يَبْرئ، ويَخْرُج ويُنْكِر على عَادَتِهِ.

فاتَّفقَ يَوْمًا من الأيَّامِ أنْ خَرَجَ فنَظَر إلى دِجْلَة، وزَنْكِي بن آقْ سُنْقُر رَاكبٌ في شَبَّارة وعندَهُ مُغَنِّية تُغَنِّي وهو يَشْرَبُ، وعنده جَمَاعَة، فنَزَع ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>