للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجُل ثِيَابَهُ وسَبَح وجاء إلى الشَّبَّارَة الّتي فيها زَنْكِيّ، فعَلَّق يَدهُ فيها ليَصْعَد، فقال بعضُ مَن مع زَنْكِي: أأضْربُ يَدَهُ بالسَّيْف؟ فقال: لا اتْركهُ، فتَعَلَّق وصَعدَ فجَلَس، فأشَارَ ذلك الشَّخْصُ إلى زَنْكِي: أأضْربه؟ فقال: لا اتْركهُ، فقَعَدَ في الشَّبَّارة وأخَذَ الجَنْكَ وقَطَعَ أوْتارَهُ، ثمّ أخَذَ الأقْدَاح وصَبَّها في دِجْلَة، وغَسَّلها بالماءِ، وتَرَكها في الشَّبَّارة، وألْقَى جَمِيع ما ثَمَّ مِن الخَمْر في الماء، وغَسَّل الآنيَة وتَرَكها، ثمّ مَدَّ يده إلى إزَار المُغَنِّية فأخَذَهُ وسَتَرَها به، ثمَّ ألْقَى بنفْسه في دِجْلَة وسَبَح وعَبَر، ولَم يُكَلِّمه زَنْكِي بكَلمة، وأمَّا زَنْكِي فإنَّهُ لمَّا سَبَح ذلك الرَّجُل وعَبَرَ، قال: نَرْجع ونَدْخُل إلى دُورنا، فليسَ لنا في هذا اليَوْم اشْتِغَالٌ بما كُنَّا فيه، وأمَرَ الملَّاحِيْن فأتَوا بالشَّبَّارَة إلى دَاره فنَزَلَ فيها.

قال: وأمَّا الرَّجُل الّذي كان يُنْكر [المُنْكَر] (a)، فكان بعد ذلك إذا أنْكَر المُنْكَر لا يَتَجاسَر أحدٌ على ضَرْبه، وإذا رَأوه مُقْبلًا ليُنْكر عليهم انْهزمُوا منه، واخْتَفوا من طَرِيقه، ولمَّا مَاتَ غُلِّقَت أسْوَاقُ المَوْصِل لحُضُور جنَازَته، رَحِمَهُ اللّهُ.

أنْبَأنَا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْلِ بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنَا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ (١)، قال: زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر، أبو المُظَفَّر التُّرْكِيّ المَعْرُوف بابنِ قَسِيم الدَّوْلَةِ، دَخَل دِمَشْقَ في صُحْبَةِ الأَمِير مَمْدُود (b) صَاحِب المَوْصِل الّذي قُتِلَ بدِمَشْق (c)، وكان من خَوَاصِّهِ، ثمّ تَرَقَّت بهِ الحالُ إلى أنْ مَلَك المَوْصِل وحَلَب وحَمَاة وحِمْصَ، وحَصَر دِمَشْقَ، ثُمَّ اسْتَقرَّت الحال على أنْ يُخْطب (d) له على مِنْبَرها، ومَلَك بَعْلَبَك وغيرها من بلَادِ الشَّام والجَزِيْرَة،


(a) إضافة ليست في الأصل.
(b) ابن عساكر: مودود، وقدمت الإشارة إلى اختلاف المصادر في تسميته على الوجهين.
(c) في تاريخ ابن عساكر والنجوم الزاهرة: بجامع دِمَشْق، وكان قتله في صلاة جمعة بالجامع سنة ٥٠٧ هـ. انظر: النجوم الزاهرة ٥: ٢٠٧.
(d) ابن عساكر: خطب.

<<  <  ج: ص:  >  >>