للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا أبو مُضَر؛ فإنَّهُ رَحَلَ من طَرابُلُس، ووَصَلَ إلى مِصْرَ وعليها النُّوْشَرِيّ، فوقَعَ بينَهُ وبينه خُلْفُ ووَحْشَةُ، ثُمَّ أصْلَح بينهما ابنُ بِسْطَام.

ثُمَّ رَحَل أبو مُضَر من مِصْر وتَوَجَّه إلى الشَّام، ونفَذَ منها إلى الرَّقَّة، وكَتَبَ إلى الوَزِير ابن الفُرَاتِ يَسْتأذنُه في القُدُوم على الخلَيفَة المُقْتَدِر، فلم يُؤْذَن له في الوُصُول إلى بَغْدَاد، وأمَرَهُ ابن الفُرَات بالمقام بالرَّقَّة، فأقام بها سنةً مُعْتَكفًا (a) على شُرْب الخَمْر والفِسْق.

وسَعَىَ بهِ قومٌ إلى المُقْتَدِر وأشَارُوا بردِّهِ إلى المَغْرب وكان قد تفرَّق عنه أصْحَابه عند مقامهِ بالرَّقَّة واشْتِغَاله باللَّهْو، فكَتَبَ المُقْتَدِر إلى النُّوْشَرِيّ كتَابًا، وإلى ابن بسْطَام كتَابًا، إلى مِصْر يأمرُهما بمَعُونَة أبي مُضَر بالرِّجالِ والعُدَد، وأنْ يُعْطَى من خَرَاجِ مِصْر ما يُقيم به عَسْكَره، وكَتَبَ إليه من بَغْدَاد بالعَوْد إلى المَغْرب ليُدْركَ ثأرَهُ، فعاد زِيَادَةُ اللهِ إلي مِصْرَ، ومَشَى بها مُتَقلِّدًا بسَيْفَين، فأخْرَجَهُ النُّوْشَرِيُّ إلى ذات الحَمَام، وهو مَوضِعٌ، وقال له: تكُون هناك حتَّى تأتيكَ الرِّجالُ والمال. ومَطَلَهُ بذلك حتَّى أنْفَق جميعَ ما كان معَهُ، وباعَ السِّلاحَ والعُدَدَ، وكَثُرَت به العِلَل، وقيل: إنَّ بعض خَدَمه سمَّتْهُ في طَعَامهِ فوقع شَعر لِحْيَتهِ، ثمّ رجَع إلى مِصْر، وخَرجَ منها إلى بَيْت القدِس فماتَ هناك، فدُفِن بها. وقيل: ماتَ بالرَّمْلَة ودُفِنَ بها (b).

وفي نفُوذه من الشَّام إلى الرَّقَّة وعَوْده مرَّ بحَلَب أو ببَعْضِ عَمَلها.

وكان لهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وعنده أدبٌ وفَضْلٌ، وكان آباؤُه يَذْهبُونَ إلى مَذْهَب الإمَام أبي حَنِيْفَة رضِيَ اللهُ عنهُ، فرجَع عنه واسْتَهْتَر بشُرْب الخَمْر واللَّهْو والانْهِماك في المَعَاصِي، وآلَ به الأمرُ إلى ما آل.


(a) الأصل: معكفًا، بإهمال ثانيه، والمثبت من ق.
(b) ق: وقيل دفن بالرملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>