للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إنَّ أبولياس سار (a) إلى أرْض العَجَم حتَّى بلَغَ جُنْدَي سَابُور فَحصَرَها فاسْتَصْعَبَ عليه فتحها، وكان سَابُور مَحْبُوسًا في قَصْر أبولياس، فعَشِقَتهُ ابنَةُ المَلِك، فَخلَّصَتْهُ، فطَوَى البِلَاد مُتَخفِيًا إلى أنْ وَصَلَ جُنْدَيْسَابُور، فدَخَلها وقويت نفُوس مَن بها من أصْحَابهِ، وخَرَجُوا من فَوْرهم، فأوْقَعُوا بالرُّوم تَفَاؤلًا بخَلَاصِ سَابور، فأسُروا أبولْيَاس فقَتَلَهُ سَابُور ذو الأكْتَاف، واخْتَلَفت الرُّوم فيمَنِ يُولُّونَه وضَعُفُوا عن مُقَاومته، وكان لسَابُور عناية بقُسْطُنْطِيْن فولَّاهُ على الرُّوم، ومنَّ عليهم بسَبَبهِ، وجَعَل لهم طَرِيقًا إلى الخُرُوج من بِلَادِه، وبعد أنْ شَرَط علِى قُسْطُنْطِيْن بأنْ يَغْرس بإزَاء كُلّ نَخْلة قُطِعَت من أرْض السَّوَادِ وبلَادِه شَجْرَةَ زَيْتُون، وأنْ يُنْفذ إليه مَنْ ببلادِ الرّوم فوَفى له.

وَقَعَ إليَّ كتاب يَتَضَمَّن أخْبَار الفُرْس لَم يُذكر اسْم مؤلِّفه، فَنَقَلْتُ منهُ (١): فلمَّا بلغَ سَابُور ستّ عَشرة سَنَة، واشْتَدَّ عَظْمُه، وقَويَ عِلى حَمْل السِّلاح، جَمعَ إليه عُظَمَاء أهْل مملكته، ثُمَّ قام وخَطَبهم، وحَمدَ الله، ووعَظهُم، ثمّ أمرَهم أنْ يَخْتارُوا نُجَدَائهم وأهْل الَبأس منهم ألْفَ أسْوَار، ففَعَلُوا، وعُرِضُوا عليه بأسْلَحتهِم وكُرَاعِهم، فأقامِ لهم ما يَكْفيهم وأوْلَادهُم من الأرْزَاق والأطْعِمَةِ، ثمّ جَمع الألفَ إليه وحثَّهم على القيام بحِفْظ البِلاد، وكات الأحْوَال -بسَبَب صِغَر سِنِه- قد اخْتلَّت، فأجَابُوه بما يُؤثره، ثمّ سَار إلى النَّواحِي التي كانت العَرَبُ فيها، فقَتَل مَنْ قَدر عليه منهم، وهَرَب بَقِيَّتُهم حتَّى لحَقُوا ببلادهم، فقَطَع البَحْر حتَّى أتَى الخَطَّ، ثمّ غَزَا بلادَ البَحْرين، فَجَعَل لا يُبْقي على شيءٍ قَتْلًا وإخْرَابًا، غير أنَّهُ لَم يكُن يأخُذ لهم سَلْبًا ولا مَالًا، ثمّ مَضَى إلى هَجَر، فأعْظَم المَقْتَلَة فيهم، ثمّ أتَى عَبْد


(a) ق: دخل.

<<  <  ج: ص:  >  >>