للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَيْس ففَعَلِ بهم مثْلَ ذلك حتَّى أبادَهُم، وفعَل ذلك باليمَاَمَة وما يليها، وقَتَل بالمَدِينَة وخَيْبر، ثمّ هَبَطَ إلى ما يلي الشَّام من بلادِهم ففَعَل مثل ذلك بهم، وقال: هذا جَزَاؤكم بما كان من بَغْيكُم علينا وإفْسَادِكُم في بلادِنا بعدَما شَرَطْتُم لدَارَا بن دَارا المَلِك من الكَفِّ عن بلَاده والتَّشَبه بالنِّسَاء في إطَالة الشَّعر واتِّخَاذ الأُزُر، وكان دَارَا بن دارَا المَلِكُ ابن عَمِّ بَابك بن سَاسَان والد أَرْدَشِيْر.

فلمَّا بَلغَ سَابُور ما في نفسه، وأدْرَك منهم ثأره، قال لمَن معه من الجنُود: إنِّي أُريد دُخُولَ أرْض الرُّوم ومُسْتَخْفٍ فيها حتَّى أبْحَث عن أسْرَارهم وأعرْف عدَّة جُنُودِهم، ومَسَالكَ بلادهم، حتَّى إذا بَلَغْتُ نَهْمَتي من ذلك وحَاجَتي، انْصَرفتُ إلى مملكتي، فسِرتُ إليهم بمَن أحْتَاج إليه من الجنُود، فحذَّره الجنُود التَّغْرِيرَ بنَفْسه فلَم يَقْبل.

وانْصَرَف مُتَنكِّرًا حتَّى دَخَل أرْضَهُم، فمكُث فيها حيْنًا يَجُول فيها، فبينا هو كذلك إذْ بَلَغَهُ أنَّ ابن قَيْصَر أعْرَسَ فأوْلَم وِلِيمَةٌ لسَفِلَة النَّاسِ ومَسَاكِيْنهم، وأمرَ أنْ يُجمعُوا له ويحضرُوا طَعَامَهُ بعد فَرَاغهِ من طَعَام الأشْرَاف، فانْطَلق سَابُور مُتَهيِّئًا بهَيْئَةِ السُّؤَّال حتَّى شَهِدَ ذلك الجَمْعِ، ليَنْظُرَ إلى قيصَر ويَعْرِف هَيْئَتَهُ في مَجْلِسه وطَعَامه، فبينا هو كذلك إذ أُتي قيصرُ بإناءٍ يَشْرَبُ فيه من آنيةِ سَابُور مَنْقُوش فيهِ تِمْثَال سَابُور، فَجعَلوا يسْقُونَ بهِ قَيْصَر ومَنْ حَوْله، حتَّى انْتَهَىَ الإناءُ إلى حَكِيمٍ من حُكَمائهم الّذين يَنْظرُون في النُّجُوِم، ويعْرفونَ الفِرَاسَةَ، فنَظَر في التِّمْثالِ الّذي فيه، وقَبْل ذلك ما قد كان أبْصَر وجْهَ سَابُور وهو جالسٌ في رِفْقة المَسَاكِيْن، فأمْسَكَ الإناء وقال: إنِّي لأرَى أمرًا مُعجبًا! قال قَيْصَر وما ذلك؟ قال الحَكِيم: أرَى في الجلسَاءَ رَجُلًا شَبِيه الصُّوِرَة بهذا التِّمْثال، فإنْ لم يَكُن ذلك سَابُور فما في الأرْض أحَدٌ أشبَه منهُ بهِ! فأمرَ قيْصَر فدَعا سَابُور إليهِ فسَأله عن أمْره، فقال: أنا رَجُلٌ مِسْكِين من أهْل فارس، وكان سَابُور جَمِيل الوَجهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>