وطَافَ بالصُّبْحِ الّذي في الدُّجَى … أطْلَعَهُ مِن غسَقِ القَارِ
بقَهْوَةٍ أنْجُمُ كاسَاتِها … دَائِرَةٌ ما بَينَ أقْمَارِ
في مُوْنقٍ يُنْثَرُ دُرَّ الحَيَا … عَلَيهِ في أصْدَافِ أزْهَارِ
أبْدَى مِنَ النَّوْر كنُوزًا بها … أَغْنَى الثَّرَى مِن بَعْدِ إقْتَارِ
سَمِعْتُ المُهِذَّب سَالِم بن سَعَادَةَ الحِمْصِيّ يُنْشِدُ المَلِك الظَّاهِر غَازِي قَصِيدَةً في مُسْتَهَلِّ شَهْر رَجَب من سَنَة اثْنَتي عَشرة وسِّتِمائة وهو واقفٌ بينَ يَدَيْهِ: [من الطويل]
عَسَى يَنْطَوِي بالوَصْلِ نَشْرُ صدُودِهِ … ويُفْضِي إلى ريٍّ أُوَامُ عَمِيْدِهِ
ويا لَيْتَ يَنْأى بالرِّضَا قُرْبُ سُخْطِهِ … وتُطْفَى بماءِ الوَعْدِ نَار وَعِيْدِهِ
ويُصْبحُ قَلْبي نَافِرًا مِن هُمُومِهِ … وقد باتَ جَفْنِي آنِسًا بهُجُودِهِ
وإنِّي لعَانٍ قيَّدَتْهُ صَبَابةٌ … سيَقْضِي ولا تَقْضِي بفَكِّ قُيُودِهِ
وعَقْدُ اصْطِبَاري حَلَّهُ بطُلُوعِهِ … هِلَالٌ بَدَا في هَالَةٍ مِن عُقُودِهِ
ومِنِ ثَغْرِهِ المَعْسُولِ تَظْما حُشَاشَتِي … إلى بَرَدٍ مَنْ لي برَشْفِ بَرُودِهِ
تَدَيَّرَ نَجْدًا بعْدَ مُنْعَرَجِ اللّوَى … وبُدِّلَ مِن وَادِيهِ سِقْطَ زرُودِهِ
فكَادَ إلى أَجْرَاعِ نَجْدٍ يَطِيرُ بي … هُبُوبُ نَسِيمِ الشَّوْق بَعْدَ ركُودِهِ
ولمَّا مَضَى أبْقَى لَهُ بجَوَانِحي … لَهيْبَ غَرَامٍ شَبَّ بَعْدَ خُمُودِهِ
وأَجْرَيْتُ نَفْسِي بالتَّنَفسِ أدْمُعًا … تُحَدِّرُها يَوْمَ النَّوَى بصُعُودِهِ
ويا حبَّذا لو عادَ عَيْشي كَما بَدَا … رَطِيْبًا ولَهْوي في نَضَارةِ عُودِهِ
ولَم يُرْدِ ضِرْغَامَ العَرِينِ على النَّقَا … سِوَى رَشَأٍ ما بينَ أسْرَابِ غِيْدِهِ
بذِي كَحَلٍ يُضْحِي السَّدِيْدُ مُجَدَّلًا … إذا ما رَمَى رِيْمُ النَّقَا بسَدِيْدِهِ
وما طَرَفُ الخَطِيِّ بالطَّعْنِ في الطُّلَا … بأفْتَكَ مِن طَرْفِ الغَزَالِ وَجِيدِهِ