للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا رَأى الرَّشِيْد ذلك، فَزع إلى الأشْيَاخ من أهْلِ الثُّغُور، فجَمَع إبْراهيم بن مُحَمَّد الفَزَارِيّ، ومَخْلَد بن الحُسَين، ولَم يكُن في أيَّامهما لهما نَظِيرُ في الدِّيانَة والفَضْل والعِلْم، فقال له إبْراهيم بن مُحَمَّد: يا أَمِير المُؤمنِيْن، خَلَّفْتَ الرَّأيَ خَلْفَ القُفْل، ولكُلِّ مَقَامٍ مَقَال، ومَخْلَد يَصِير إلى أَمِير المُؤمنِيْن (a)، وتَفرَّق القَوْم على ذلك، فلمَّا كان في اللّيْل صار أَمِير المُؤْمنِيْن إلى مَحْلَد بن الحُسَين مُعَظِّمًا له، وكان مَخْلَد من عُقَلَاءِ الرِّجَال، فقال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، أصِير إليكَ في لَيْلَتَنا إنْ شَاءَ اللهُ، ومَضَى مَخْلَدٌ إلى إبْراهِيم بن مُحَمَّد الفَزَارِيّ فأرْسَلا إلى سَالِم البُرْنُسِيّ؛ من أَشْجَعِ أهْلِ زَمَانِهِ من السِّنْد، فَخَلَيَا به، واسْتَعلمَا ما عنده من الرَّأي، فأعْلَمَهُم أنَّهُ لا يَجْتَمع معهما عند أَمِير المُؤْمنِيْن، وأنَّهُ يَحْتاجُ إلى ما كان في خَزَائن أَمير المُؤْمنِيْن من كُسْوَة وطيْبٍ وطَعَامٍ ومالٍ، وأنَّهُ يَحْتاجُ أنْ يُظْهِرَ العِصْيَان والمُحَارَبة هو وأهْل الثُّغُور لأَمِير المُؤْمنِيْن ولأصْحَابهِ، فما كان عند أَمِير المُؤْمنِيْن من عدة (b)، وأنَّهُ يَحْمل أصْحَابَهُ على صِدْق المُحَارَبة.

فَمضَى مَخْلَد بن الحُسَين إلى أَمِير المُؤْمنِيْن بذلك، فأجابَهُ إلى ما سَأل، ودَفَعَ إليهِ ما أرَاد، وبَاكَر سَالِم القِتَالَ، واعْتَزل أهْل الثُّغُور عن قُرب أَمِير المُؤْمنِيْنِ، وتَلَاحم القَوْم بينهم الحَرْب، وعُرْقبَت (c) دَوَابّ، وخُرِّقَتْ مَضَارب، وزَحَفَ سَالِم البُرْنُسِيّ بمَن مَعَهُ من أهْلِ الثُّغُور، حتَّى نَزَل بالقُرْبٍ من مُعَسْكر الرُّوم، وبَعَثَ يَطْلبُ منهم الأمَانَ، ويُطْمِعُهُم في أَمِير المُؤْمنِيْن ومَن مَعَهُ، وفي كُلِّ ذلك تَجئ الرُّسُلُ إلى سَالِم يَسْألُونَهُ الرُّجُوع إلى أَمِير المُؤْمنِيْن، وتُحْمل إليه الجَوَائِز والخلَع، فكُلّ ذلك يردُّها، وبَطَارِقَة الطَّاغِيَة ورُؤساؤهم يَنْظرُونَ إلى ذلك.


(a) النص فيه اضطراب ونقص بيِّنٌ.
(b) كذا في الأصل، وفوقه "صـ".
(c) في الأصل: "وغُرقتْ" وفوقها "صـ"، وصوَّبه المؤلف في الهامش بالمثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>