للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمّ رَجَعَ إلى بَغْدَاد في الأيّام المُقتَفويَّةِ، وصنَّفَ بها كُتُبًا كَثِيْرةً، منها: لُمَح المُلَح، وحَاطِب لَيْل، وزِينَة الدَّهْرِ. ولمَّا حَجَّ مُجَاهِد الدِّين قَايْمَاز من المَوْصِل، اجْتَمَعَ بهِ وأوْدَع عندَهُ ذَهَبًا ليَشْتَري له (a) به كُتُبًا.

قال لي أبو عليّ القِيْلَويّ: حَكَى لي الحَاجِبُ ابن الكَرْخِيّ، حَاجِب الخَلِيفَة، قال: لمَّا أوْدَع مُجَاهِد الدِّين ثَمَن الكُتُب عند أبي المَعَالِي الكُتَبِيّ، سَرَقَ الذَّهَبَ ابنُ امرَأته، فجاءَ أبو المَعَالِي يَطْلُبه فلم يَجِد شَيئًا، فجلَس مُفَكِّرًا مُتَحيِّرًا في الدُّكّان، فسَألتُهُ عن ذلك؟ فقال لي: ما بي شيء، فقُلتُ: بلَى، فقال: كان عندنا ذَهَبٌ وضَاع، فسَألتُهُ عن مِقْدَاره؟ فلَم يَذكُر، فقُلْتُ لغُلَامهِ: أيْشٍ مِقْدَار الذَّهَب؟ فقال: مائة وعشْرين دِيْنارًا لمُجَاهِد الدِّين، وقد أخَذَهُ ابن امرأته، فقُلْنا له: الذَّهَبُ أخَذَهُ ابن امرأتك، فقال: أنا أغرمه ولا تَتَّهمُونَ أحدًا! فقُلتُ: ما ألتَفتُ إلى كَلَامهِ، ومَضَيْتُ إلى حَاجِب البابِ، فأحْضَر ابنَ امرَأتهِ وهدّدَهُ بالعَصْر فاعْتَرفَ بالذَّهَب، وأحْضَرَهُ وقد نَقصَ خَمْسَة عَشر دِيْنارًا، فردّها عليه.

قال لي القِيْلَويّ: وحَكَي لي العَفِيف ابنُ أخي الدُّورِيّ الوَاعِظُ، قال: لمَّا قَدِمَ مُجَاهد الدِّين إلى الحَجِّ، رَكِبَ وأتَى دُكَّانَ أبي المَعَالِي الحَظِيْرِيّ، فوقفَ بين يَدَي الدُّكَّان وغُلَامُهُ يُلَبِّسُه مَدَاسَهُ، فسَأل رَجُلًا عن الشَّيْخ أبي المَعَالِي، وأبو المَعَالِي يَكْتُب، فأشَار إليه، فجَعَل مُجَاهِد الدِّين يَنْظُر إليه ويتأمَّلُهُ، وقال وهو يَنْزل عن فَرَسِهِ: لأنْ تَسْمَعَ بالمُعَيْدِيّ خَيْرٌ من أنْ تَراهُ! وكان الشَّيْخُ قَصِيْرَا، طَوْيلَ اللِّحيَةِ، على آذَانِه شَعرٌ، وَنزَل إليه وتحدَّث معه، فعَظُم في عَيْنهِ. ولمَّا عادَ من الحجَّ سَأل أنْ يَذْكُر له شَيئًا من الألْغَاز، فصَنّفَ له كتاب الألْغَاز لقَايْمَاز.


(a) ساقطة من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>