للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَبِهِ تَوفِيقِي

حدَّثني مُحِبُّ الدِّين مُحَمَّد بن مَحْمُود بن النَّجَّار الحافِظ، قال: سَمِعْتُ جَمَاعَةً يَحْكُون لي عن الإمَام عَلاء الدِّين الكَاسَانِيّ المُقِيْم بحَلَب: أنَّهُ كان أُقْعِدَ من رِجْليه لنِقْرِس عَرَضَ له فيها، فنَزَلَ إليهِ نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي، ودَخَلَ إليه يَعُودُه، فتحرَّك عَلاء الدِّين الكَاسَانِيّ له، فظَنَّ نُور الدِّين أنَّهُ يُحَاول القيامَ له، فقال له بالفَارسِيَّةِ: بنشِي بنشِي؛ أي: اقْعُد لا تَقُم، فقال: يا مَوْلَانا بنشِي من اللهِ (a).

سَمعْتُ شَمْسَ الدِّين أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر، قال: قَدِمَ عَلاء الدِّين الكَاسَانِيّ إلى دِمَشْق، فحَضَرَ إليه الفُقَهَاءُ، وطَلَبُوا منه الكَلَام معهم في مَسْألَةٍ، فقال: أنا ما أتكلَّمُ في مَسْألَةٍ فيها خِلَافُ أصْحَابنا، فعيِّنُوا مَسْألَةً، قال: فعَيَّنوا مَسَائِل كَثِيْرةً، فجَعَل يَقُول: ذَهَبَ إليها من أصْحَابنا فُلَان، فلم يَزَل كذلك حتَّى إنَّهم لَم يَجدُوا مَسْألَةً إلَّا وقد ذَهَب إليها واحدٌ من أصْحَاب أبي حَنِيْفَة رَضِيَ اللهُ عنهُ، فانْفَضَّ المَجْلِسُ، وعَلِمُوا أنَّهُ قَصَدَ الغَضَّ منهم، فقالوا: إنَّهُ طَالِب فِتْنَة، فلم يَتَكلَّمُوا معه.

قُلتُ: وللشَّافِعِيّ رَضِيَ اللهُ عنهُ مَسَائِل انْفَرد فيها لَم يَذْهب إليها أحدٌ من أصْحَابنا أصْلًا، كمَسْألَة المَخْلُوقَة من ماء الزَّاني ونَحْوها، فإنَّ الفُقَهَاء الّذين حَضَروا مع الكَاسَانِيّ تجَنَّبُوا الكَلَام فيها لظُهُور دَلِيْل أصْحَاب أبي حَنِيْفَة رَضِيَ اللهُ [عنهُ] (b) فيها، وأرَادَ الكَاسَانيُّ أنْ يُلْجئَهم إلى تَعْيين مَسْألَةٍ من هذا النَّوع، فنَكَبُوا عن ذلك لهذا المَعْنَى، واللهُ أعْلَمُ.


(a) م: من الله تعالى.
(b) ساقطة من الأصل، والإضافة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>