للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعْتُ الفَقِيه شَمْسَ الدِّينِ الخُسْرُوشَاهِيّ بالقَاهِرَة يقُول لي: لأصْحَابكم في الفِقْه كتابُ البَدَائِع للكَاسَانيّ، وقفتُ عليه، ما صَنَّفَ أحدٌ من المُصَنِّفين من الحنفِيَّة ولا من الشَّافِعيَّة مثْله، وجَعَل يُعَظِّمه تَعْظِيمًا. قال لي: ورَأيْتُه عند المَلِك النَّاصِر دَاوُد صَاحِب الكَرَك؛ أهْدَاهُ إليه بعض الفُقَهَاء الحنفِيَّة - وأظُنُّه قال: الشَّمْس نَجَا، أحَدُ المُدَرِّسين بدِمَشْق - فعَجِبْتُ ممَّن يكُون عندَهُ مثل ذلك الكتاب (a) ويَسْمَح بإخْرَاجِه من مُلكْه.

سَمِعْتُ النَّقِيْبَ السَّديْد دَاوُد بن عليّ البُصْرِاويّ يَقُول: كان الشَّيْخُ عَلاء الدِّين الكَاسَانِيّ لا يَرْكب إلَّا الحِصَان وبقُول: لا يرْكبُ الفَحْل إلَّا الفَحْل، وكان له رُمْح لا يُفَارقه، وكان شُجاعًا، قال لي: وكان لا يَأكُل عُمره كُلّه إلَّا اللَّحْم المَطْبُوخ بالماءَ والحِمَّص، رَحِمَهُ اللهُ.

سَمِعْتُ الفَقِيه جَمال الدِّين أبا السَّرَايَا خَلِيفَة بن سُلَيمان بن خَلِيفَة الكَاتِب، قال: كان عَلاء الدِّين الكَاسَانِيّ قد أقامَ في بلاد الرُّوم، فتَشَاجَرَ هو ورَجُل فَقِيْه يُعْرَفُ بالشَّعْرَانيّ ببلاد الرُّوم في مَسْألَة المُجْتَهدين هل هُما مُصِيْبان أم أحَدُهما مُخْطئ؟ فقال الشَّعْرَانيُّ: المنقُول عن أبي حَنِيْفَة رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ كُلّ مُجْتَهد مُصِيْبٌ، فقال الكَاسَانِيُّ: لا؛ بل الصَّحيحُ عن أبي حَنِيْفَة أنَّ المُجْتَهدين: مُصِيْبٌ ومُخْطئٌ، والحقُّ في جِهَةٍ واحدةٍ، وهذا الّذي تَقُوله مَذْهَبُ المُعْتَزِلة، وجَرَى بينهما كَلامٌ في ذلك، فرَفَع عليه الكَاسَانِيُّ المِقْرَعَة، فشَكَى إلى مَلِك الرُّوم، فقال سُلْطانُ الرُّوم لوَزِيره: هذا قد افْتأَتَ على الرَّجُل فاصْرفه عنَّا، فقال الوَزِيرُ: هذا رَجُلٌ شِيْخٌ وله حُرْمَة، ولا يَنْبَغي أنْ يُصْرَف بل نُنْفذهُ رَسُولًا إلى نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي ونتَخَلَّصُ منه بهذا الطَّريق، فسُيِّر من الرُّوم رَسُولًا إلى نُور الدِّين إلى حَلَب.


(a) ساقطة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>