للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قَدِمَ الرَّضِي السَّرْخَسِيّ صَاحب المحيْط حَلَب ووَلَّاهُ نُور الدِّين المَدْرَسَة الحَلاويَّة بعد ولد العَلَاءِ الغَزْنَوِيّ، وكان في لِسَانه لُكْنَة، فتَعَصَّبَ عليه جَمَاعَة من الفُقَهَاءِ الحنفِيَّة بحَلَب، وصَغَّرُوا أمْرَهُ عند نُور الدِّين على ما ذَكَرْناهُ في تَرْجَمَتِهِ في (a) باب المُحَمَّدين (١)، فأوْجَبَ ذلك أنْ عُزِلَ عن التَّدْرِيس بها، وتَوَجَّه إِلى دِمَشْق، وكُوْتِبَ عَالي (b) الغَزْنَوِيّ في الوُصُول إلى حَلَب ليُوَلَّى تَدْرِيس المَدْرسَة، وكان بالمَوْصِل، واتَّفَق وُصُول الكَاسَانِيّ رَسُولًا من الرُّوم إلى نُور الدِّين، واحْتَرَمَهُ وأكْرَمَهُ، واجْتَمَع (c) فُقَهَاء المَدْرَسَة وطَلَبُوا من نُور الدِّين أنْ يُوَلِّيَهُ التَّدْرِيسَ بالمَدْرَسَةِ المَذْكُورة، فعَرَضَ نُور الدِّين عليهِ ذلك، فدَخَلَ المَدْرَسَة ورَآها فأعْجَبَتْهُ، وأجابَ نُور الدِّين إلى ما عرضَهُ عليه، وقال له: هذه الرِّسَالَة أمَانَةٌ معي، فإذا أعَدْتُ الجَوَابَ إليهم عُدْتُ بعد ذلك وقَدِمْتُ حَلَبَ، وكَتَبَ نُور الدِّين مَحْمُود خَطَّهُ لعَلاء الدِّين الكاسَانِيّ بالمَدْرَسَة، ورَجع الكاسَانِيّ وأعاد جَوَاب الرِّسَالَة، وعاد إلى حَلَب، ووَصَلَ الخبَرَ بوُصُوله، فخَرَجَ جَمَاعَةٌ عَظِيمَةٌ من الفُقَهَاءِ إلى لقَائه إلى باب بُزَاعَا.

قال لي خَلِيفَة: وكُنْتُ إذ ذاكَ صَبِيًّا صَغيرًا، فخَرَجْتُ مع وَالدِي فيمَن خَرَج، فعَهْدِي بالشَّيْخ (d) الكَاسَانِيّ والفُقَهَاء مُجْتَمعُون حوْله، وأقام ذلك اليَوْم بباب بُزَاعَا على عَزْم الدُّخُول صَبِيْحَة تلك اللَّيْلة، فجاءهُ في أثناءَ النَّهَار رَجُلٌ من الفُقَهَاء وقال له: عَبَرَ هَا هُنا رَجُلٌ شَيْخٌ فَقِيْهٌ، ومعهُ جَمَاعَة من الفُقَهَاء، وقالوا: هذا عَالِي الغَزْنَوِيّ، وقد جاءَ إلى حَلَب لأخْذِ المَدْرَسَة، فقال النَّجِيْب - يعني مُحَمَّد بن سَعْد الله بن الوَزَّان - وجَمَاعَة غيرُه من الفُقَهَاء للكَاسَانِيّ: المَصْلَحةُ أنْ


(a) ساقطة من م.
(b) م: علي.
(c) م: فاجتمع.
(d) الأصل، م: الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>