للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقُوم ونَدْخُل (a) إلى حَلَب، فبَقى وقام وسَار فوَصَلَ حَلَب بُكْرة، وكان عَالي قد وَصَلَها العَصْر من اليَوْم المُتَقدِّم، ونزل بالحُجْرة، فوَصَلَ الكَاسَانِيّ ودَخَلَ المَدْرسَة والفُقَهَاء حَوْله، فأرْسَل الفُقَهَاء إلى عَالِي وقالوا له: تَقُوم وتَخْرُج لأجْل الشَّيْخ، فامْتَنعَ، فأعَادُوا له القَوْل ثانيًا، وقالوا: المَصْلَحة أنَّكَ تَخْرُج بحُرْمتك وإلَّا يَدْخُل مَنْ يُخْرجُكَ قَسْرًا بغير اخْتِيَارك، فلمَّا رَأى الجِدّ في ذلك خرَجَ من الحُجْرة ومَضَى إلى حُجْرهَ صَغِيرَةٍ كانت في جانب المَدْرَسَة، فنَزَلَها.

وكان نُور الدِّين إذ ذاك غائبًا عن حَلَب، فكُوْتِبَ في ذلك، فوَلَّى الكَاسَانِيّ المَدْرَسَة الكَبِيرة، وكان ابن الحَلِيم (b) مُدَرِّسًا بمَدْرَسَة الحَدَّادِين، فاسْتُدْعي إلى دِمَشْق، ووُلِّي مكانَهُ عَالِي الغَزْنَوِيّ.

قال لي (c) مُقَرِّب الدِّين أبو حَفْص عُمَر بن قُشَام: إنَّ الشَّريفَ النَّقِيْبَ أبا طَالِب - يعني أحْمَد بن مُحَمَّد - نَقِيْب العَلَويِّيْن بحَلَب، خَرَج وتَلقَّى الكَاسَانيّ، وحَرَّضَهُ على سُرْعة الوُصُول إلى حَلَب، وقال لي ابن قُشَام: لمَّا وَرَدَ الكَاسَانِيَّ في الرِّسَالَةِ من الرُّوم، وطَلَبَهُ (d) نُور الدِّين لتَدْرِيس المَدْرَسَة، أجاب إلى ذلك، وقال: أَعُود وأُؤدِّي جَوَاِبَ الرِّسَالَة ثُمَّ أرْجع، فَمضَى وبُسِطَت له سجَّادةٌ بالمَدْرَسَةِ، وكانت تُبْسَط كُلّ يَوْم ويَجْتَمع الفُقَهَاءُ حوْلها إلى أنْ قَدِم واسْتَقَلَّ بالتَّدْرِيس والنَّظَر.

قال لي (e) خَلِيفَة بن سُلَيمان: ولَم تَزَل حُرْمَةُ الكَاسَانِيّ تَعْظُم وتَزِيد، ويَرْتَفع أمْرُهُ عند نُور الدِّين ومَنْ بعْدَهُ من المُلُوك إلى أنْ تناقصَتْ في أيَّام المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين، فلَزم مَكانَهُ بالمَدْرَسَة، ثُمَّ عَظُم بعد ذلك أمْرُه عند المَلِك الظَّاهِر، وما زَالَ يَحْتَرمهُ إلى أنْ ماتَ.


(a) م: تقوم وتدخل.
(b) م: ابن الحكيم، أشتبهت على الناسخ حركة الفتح بالكاف، وانظر: الأعلاق الخطيرة لابن شداد ١/ ١: ٢٦٨، في الكلام على المدرسة الحلاوية.
(c) ساقطة من م.
(d) م: وطلب.
(e) ساقطة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>