للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ اجْتَمَعت معه بعد ذلك بسِنين مع جَمَاعَةٍ من الشُّيُوخ فيهم أبو الحَسَن عليّ البَغْرَاسيّ (a)، وأبو سُليْمان التَّلّ سَابِيّ، وأبو جَعْفَر الجُبَّائِيّ، وإبْراهيم بن إمام رَاغِب، فتَذَاكَرُوا مَوَاهِبَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لأوْليَائهِ، وأكْثَرُوا ذِكْر كَرَامَاتِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لهم ولهم (b)، إلى أنْ ذَكَرُوا طَيَّ المَسَافَات، فتَبَرَّم الشَّيْخ بذلك، فقَال: كم يقُولونَ: فُلَان مَشَى إلى مَكَّة في ليلةٍ، وفُلَانٌ مَشَى في يَوْمٍ! أنا أعْرفُ عَبْدًا من عَبِيْد اللَّه عزَّ وجلَّ حَبَشِيٌّ، كان جالِسًا في جَامِع أطْرَابُلُس ورَأسُهُ في جَيْب مُرَقَّعَتهِ فخَطَر له طِيْبَة الحَرَم، فقال في سِرِّه: يا ليتَني كُنْتُ بالحَرَم، فأخْرَج رَأسَهُ من مُرَقَّعَته فإذا هو في الحَرَم، ثمّ أمْسَكَ عن الكَلَام، فتَغامَزَ الجميعُ واتَّفَقُوا على أنَّهُ ذلك الرَّجُل.

ثُمَّ قال أحَدُهُم: تَسْألُ الجَمَاعَةُ الشَّيْخ، أيَّدَهُ اللَّهُ، أنْ يُخْبِرَهُم بسَبَب قَطْعِ يَدِه، فقال كما قال لي: يَدٌ جَنَتْ فقُطِعَتْ! فقيل: قد سَمِعْنا منكَ هذا مِرَارًا كَثِيْرةً؛ أخْبِرنا كيفَ كان سَبَبُه؟ فقال: نعم، أنتُم تعلمُونَ أَنِّي من أهْل الغَرْبِ، فوَقَعَتْ لي مُطَالبة السَّفَرِ، فسِرْتُ حتَّى بَلَغْتُ الإِسْكَنْدَرِبَّة، فأقَمْتُ اثْنَتى (c) عَشْرَة سَنَةً، ثُمَّ سِرْتُ منها فبَلَغْتُ ما بين شَطَا ودِمْياط، فأقَمْتُ اثْنتي (d) عَشْرة سَنَةً، فقَيل له: إسْكَنْدريَّة بَلَد عَامِر أمْكَنَك القيام بها اثْنتي عَشرة (e) سَنَةً، وبين دِمْيَاط وشَطَا مَفَازَة لا زَرْع ولا ضَرْع؛ فما كان قُوْتُكَ؟ فقال: نَعَم، كان في النَّاسِ خَيْر في ذلك الزَّمانِ، وكان يَخْرُجُ من مِصْرَ خَلْقٌ كَثيْرٌ يُرَابطُونَ بدِمْيَاط، وكُنْتُ بَنيْتُ كُوْخًا على شَطِّ خَلِيْج، فكُنْتُ أَجيءُ من لَيْلٍ إلى ليْل إلى تحت السُّور، فإذا أفْطَر المُرَابِطونَ (f) ونفَضُوا سُفَرَهُم خَارجَ السُّور زَاحَمْتُ الكِلَابَ على قُامَةِ السُّفَر، فآخُذ كفَايَتي، فإن ذلك قُوْتي صَيْفًا، قالوا: ففى


(a) م: ابن البغراسيّ.
(b) كذا في الأصل، وم.
(c) الأصل، م: اثنى.
(d) الأصل، م: اثنى.
(e) الأصل، م: اثنا عشر.
(f) الأصل وم: "أفطروا المرابطين"، وفوقه في الأصل: "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>