للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمَّاسيْن كانُوا يقطعُونَ الطَّريق قبل ذلك اليَوْم في ذلك المَوضِع، فأسْرَى إليهم الأمِير تُنَاش (a) فكَبَسَهمِ في السَّحَر، وأخَذَ مَن كان منهم حَاضِرًا في الأكْوَاخ، وافْتَرقتِ الخَيْل تطلُب منْ هَرَب منهم في الغَابةِ، فوجَدُوني أسْوَد معه سَيْف وتُرْسٌ وحَرْبة، فلمَّا قُدِّمْتُ إلى الأَمِير، وكان رَجُلًا تُرْكِيًّا (b)، قال لي: أيْشٍ أنتَ؟ قُلتُ: عَبْدٌ من عَبِيْدِ اللَّه، فقال للسُّوْدانِ: أتَعْرِفُونَهُ؟ قالوا: لا، قال: بلى هو رَئيْسُكم، وإنَّما تَفْدُونَهُ بنُفُوسكم، لأقْطَعنَّ أيْديكم وأرْجُلكُم، قَدِّمُوهُم، فلم يَزَل يُقَدِّمُ رَجُلًا رَجُلًا، ويَقْطَعُ رِجلَهُ ويَدَهُ، حتَّى انْتَهَى إليَّ آخرهم، ثمّ قال لي: تَقَدَّم، مُدَّ يَدَكَ، فمَدَدتها فقُطِعَت، ثُمَّ قال: مُدَّ رِجْلك فمَدَدْتُها، ثمّ رفعْتُ رَأسي إلى السَّماءِ وقُلتُ: إلَهِي وسَيِّدِي، يَدي جَنَتْ، رِجْلي أيشْ عَمِلَتْ؟ وإِذا بفَارِسٍ قد وَقَفَ على الحَلْقَة ورَمَى بنَفْسِهِ إلى الأرْض، وصَاح: أيْشٍ تَعْملُون؟ تُرِدُونَ أنْ تنطَبقَ الخَضْرَاءُ على الغَبْرَاء، هذا رَجُلٌ صَالِحٌ يُعْرَفُ بأبي الخير المُبَاحيّ، وكُنْتُ أُعْرَفُ بذلكَ، فرَمَى الأَمِيرُ نَفْسَهُ عن فَرَسِهِ، واخَذَ يَدي المَقْطُوعَة من الأرضِ يُقَبِّلُها، ويتعلَّقُ بي ويَبْكى ويقُول: سَألتُكَ باللَّهِ عزَّ وجلَّ أنْ تَجْعلَني في حلٍّ، فقُلتُ: من أوَّلِ ما قطَعْتَ يدي.

ثُمَّ قال الشَّيْخ أبو الخَيْر وهو يَبْكي: فأيّ مُصِيْبَة أعْظَم من مُصِيْبتي هذه! قُطِعَتْ يدِي، وانْقَطَعَتْ عنِّي القُرْصَان (c).

أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد اللَّه بن الحُسَين الحَمَوِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأَصْبَهَانِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن عَبْد الجبَار الطُّيُورِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ عليّ الصُّوْرِيّ، قال: أخْبرَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن خَمِيْس الصُّوْفيّ عن أبي الخيرِ التِّيْنَاتِيّ أنَّهُ قصَدَهُ رَجُلٌ من مكانٍ


(a) الأصل: أمير بياس، م: نباس، وانظر التعليق قبله.
(b) قوله: "وكان رجلًا تركيًا" ساقط من م.
(c) الأصل، وم: القرصين، فوقها في الأصل "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>