للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا صَاح إنْسان في القَريَة سُمِعَ في القَرْيَةِ الأُخرى، وفي كُلِّ واحدةٍ من القَرْيَتين من العَقَارِب شيءٌ كَثِيرٌ، وهي من أشَدِّ العَقَارِب ضَرَرًا.

وفي يَحْمُول هذه آبار كَثِيْره، ماؤها مَعِيْن، طُول البئر مِقْدَار عَشرة أذْرع، وهاتان القَرْيَتان ليس فيهما بئرٌ واحدٌ، وإذا حُفِرَ فيهما بئر لايَجِدُونَ فيها مَعِينًا، ولهم صَهَاريج من ماء المَطَر، وربَّما يقلّ علجهم الماء، فيكُون شُرب أهْلِ القَريَتَيْن من يَحْمُول هذه.

وأخْبرَني مَنْ أثِقُ بهِ من الحَلَبِيِّين أنّه وَلي عَمَلًا بشِيْحِ الحَدِيْدِ (١)، وأنَّه لا يُوْجَد بها عَقْرَبٌ أصْلًا، وأنّ الرَّجُل من أهل شِيْحِ إذا غَسَل ثَوْبَهُ في مائهِا ثمّ خَرَجَ إلى مَوضِع آخر، فوُضِعَ على ثَوبهِ ماءٌ وعُصِر وشَرِبَهُ مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَب بَرِئَ من وَقْتهِ، وإنْ قُطر منهُ قَطْرَةٌ على عَقْربٍ ماتَتْ في الحالةِ الرَّاهِنَةِ.

وهذه شِيْح الحَدِيْد قَرْيَةٌ كبيرةٌ لها كُورَة، وفيها وَالٍ ودِيْوَان، وهي في طَرف العَمْق من أعْمَال أَنْطاكِيَة، وِ اليَوم من أعْمَال حَلَب مُضافَةٌ إلى حَارِم، وبها كان مَقَام يُوسُف بن أسْبَاط رحْمَةُ اللّهِ علَيهِ.

وأخْبَرَني والدِيّ، رَحِمَهُ اللّه، وجَمَاعَة من مَشَايخ حَلَب، يَأْثُرُهُ الخَلَفُ عن السَّلَف، أنَّ العَمُود الحَجَر المَعْرُوف بعَمُود العُسْر، بالقُرْبِ من الأسْفَربس (٢)


(١) شيح الحديد: توجد اليوم بلدة في جَبَل حلب (جَبَل الكرد) تسى: شيخ الحديد، نتبع منطقة عفرين بمحافظة حلب، فلعل اسمها تغير وأصبح نطقه بالخاء المعجمة، وشيخ الحديد تبعد عن عفرين نحو كم باتجاه الغرب. انظر: المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري ٤: ٧٣، ويُلفت النظر أن ابن شداد أضرب عن ذكر شيح الحديد (الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ٣٣) وعدها من الحُصُون التي طالها الخراب في زمنه (أواخر القرن السابع) فلم تعد مانعة، وهو قريب عهد بابن العديم الَّذي أشار لسعتها وكبرها!.
(٢) الأسفريس: حارة تعرف الآن بحارة الأسفرس، تقع بين حارة المغازلة وساحة بزة، فيها مسجد الأسفرس والمسجد العمري الَّذي يعتقد بأن المتصوف إبراهيم بن أدهم نزله، بقرب الحدادية. ابن شدَّاد: الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ٣٤٩، ابن الشحنة: الدر المنتخب ١٢٥ (وفيه محرفة: الأسقريس)، الأسدي: أحياء حلب وأسواقها ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>