للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْذَرْ أنْ تَخْرج وَحْدَك فإنَّ الكِلَاب الكَلِبةَ كَثِيرٌ، فاتَّفَق أنِّى خَرَجْتُ مع أصْحَابي وغِلْمَاني، فَقُيِّضَ لي كَلْبٌ فَرَعشَنِي، فدَخَلت غيرَ طيِّب النَّفْس، وذلك بعد العَصْر والزَّمان الصَّفَريُّ في التَّشَارِين، فمضَى مَنْ خَبَّرَ جَدِّي الحَسَن الصُّوفِيّ العِجْلِيّ، فركبَ فَرَسَهُ، وأخَذ دَلْوًا للسُّمُوط وأخَذَني، ومضَى يَخُبُّ ويُنَاقِل، وأنا معَهُ، إلى أنْ أتَى بي جُبّ الكَلَب شَماليّ حَلَب، فَسقَاني منهُ، وغَسَل يَدي ورِجْلي ووَجْهي، وقال: اقْلَعْ ثيابكَ، فقُلتُ: الله الله! إن خلَعْتُ ثيابي في هذا البَرْد مُتّ، فقال: وليتَ مُتّ واسْتَرحت [منك] (a) يا صَانِع، فاسْتَقَى أربعين دَلْوًا وصَبَّها عَلىَّ، وقال: تَطَلَّعْ في الجُبِّ، وكانت آية الجُبّ إنْ نَفَعَ المَرْعُوش أَبْصَر النُّجُوم في الجُبِّ، وإنْ لَم يَنْفَعهُ سَمِعَ نَبِيْح الكِلَاب، فقال: ما تَرَى؟ فقُلتُ: أرَى النُّجُوم في الماءِ، فقال: الحَمْدُ لله، ورَكِب، وأخَذَني فباتَ في سَرْمِيْن، ولكن بَعْدَ تَهَوُّرِ اللَّيْل.

قال: يقُول جَدُّكَ: فوالله بعد تَمام الأسْبُوع بُلْتُ ثلاثَة (b) كِلَاب مُصَوَّرة بأذْنَابها ورُؤوسها.

قال: ولم يَزَل هذا الجُبُّ يَتَدَاوَى به النَّاسُ إلى أنْ مَلَكَ حَلَب رِضْوَان المَلِك ابن تاج الدَّوْلَة، فعَوَّل على تَوْسِيع فَمهِ، وكان ضَيِّقًا، عليه أرْبَعة أَعْمَدة، تَمنَعُ أنْ يُنْزلَ فيه، فقال: نَعملَهُ يكون الإنْسانُ يَنْزل إليه، ولا يَقْلِبُ عليه، فقيل له: إنَّ هذه الطِّلَّسْمات لا يجبُ أن تتغَيَّر عن كيفيَّاتها، فلم يَقْبَل، ففتحه، فزَال عنه ما كان يزيل الأذَى.

وكان يقال إنَّ ذلك كان في سَنَة ستٍّ وتِسْعِين وأرْبعمائة، وهو كان من العَجَائب الثَّلاث: جُبُّ الكَلَب، ونَهْر الذَّهَب، وقَلْعَة حَلَب؛ فأمّا النَّهْر فهو ماء يَجْري إلى أنْ ينتَهي إلى مَواضِع في الجَبُّول وغيرها من القُرَى، فيسكُبونها ويُجْرُون


(a) كلمة أفسدتها الرطوبة، والمثبت علي التقريب.
(b) الأصل: ثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>