للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمَّة مُلاحَظة تقتَضِي التَّوَقُّف، وهي أنَّ نَقلَ ابن الشَّعَّار عن كتاب بُغْيَة الطَّلَب في سَنَة ٦٣٤ هـ، يُؤكِّد أنَّ مُسَوَّدةَ الكِتاب كانت ناجِزَةً في تلك المُدَّة، وهذا يُرجِّحُ ما ذَهَبنا إليه من أَنَّ النُّسْخة الَّتي وَصَلتنا منه هي الإبرازَة الثَّانيَة منِ الكتاب، والَّتي أشارَت المَصادِر إليها بالمُبيَّضَة، واسْتَوعَبَت زيادات المُؤلِّف حتَّى الأشْهُر الأخِيرة من حَياتِهِ، ممَّا اسْتَوفَيتُ الكَلام عليه في المُقَدِّمة المَدْخليَّة.

وتَجْدُرُ الإشارَة إلى أنَّ كتاب ابن الشَّعَّار لَم يكُن أحْسَن حالًا من كتاب ابن العَدِيْم؛ فقد ضاعَ منه الجُزآن الثَّاني والثَّامن، ولو سَلمَ كامِلُ كتابهِ من الضَّيَاعَ لوَجَدْنا فيه مادَّةً مُهمَّةً من نُقُولِه الّتي أخَذَها عن ابنِ العَدِيْم، ممَّا يتَّصِل بشُعَراءِ أهْلِ زَمانهما في القَرْن السَّابِع الهِجْريّ.

وكان العِزُّ ابن شَدَّاد (ت ٦٨٤ هـ) قد أكْثَر النَّقْل عن ابن العَدِيْم، خاصَّة في الجُزء الأوَّل من كتابه "بقِسْمَيه"، والَّذي أفْرَدهُ للتأريخ لمَدِيْنة حَلَب وجُنْد قِنّسْرين. وابنُ شَدَّاد -مُقارنةً بالمقْدَار الكَبِير الَّذي أخَذَهُ عن ابن العَدِيم- فإنَّه قليْلًا ما يُصَرِّح بنَقْلِه عنه، ويتجاوَزُ كَثيرًا عن الإشارة له، ومَن تَتَبَّع الكَلام عندَهمُا وَجَد مِقدارَ ما انْتَزعَهُ ابنُ شَدَّاد من كتاب البُغْيَة (١)، ولا يَتَوقَّف ذلك على النُّصُوص التَّاريخيَّة الّتي أثْبَتها؛ بل تَعَدَّاها إلى بعْضِ التَّقْريراتِ الَّتي قَدّمَها ابنُ العَدِيْم، فنَسَبَها ابنُ شَدَّاد لنَفْسِه، مِثَالهُ قَوْلُ ابنُ شَدَّادٍ بعد ذِكره مَقامَ النَّبيّ صالح عليه السَّلام بجَبَل الطّور (٢): "وفي هذا نَظَر لمَن تأمَّلَهُ؛ لأَنَّ قِصَّة صَالِح كانتَ بالحجِر، ويَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّ هذا المَشهَد من بناء صالح بن عليّ بن عَبْد الله


(١) أشارت الباحثة آن ماري إدة في مقدمة دراستها وتحقيقها للقسم الثاني من الجزء الأول من كتاب ابن شداد إلى كثرة ما أخذه ابن شداد من كتاب ابن العديم، خاصة نقوله من الجزء الأول من بغية الطلب. انظر: ابن شداد: الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ١.
(٢) الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>