للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

فإنْ قَطَعَ منها ماء قَناة حَيْلان تضَرَّرَ أهْلها تَضَرُّرًا عَظِيمًا، فرَأى أنْ يَصْنَعَ ويَعْمل مَصْنعًا في صَحْنِ الجَامِع مَدْفُونًا تحت أرْضه، وأنْ يُوَسِّعه بحيث أنْ يكُون فيه ماءٌ كثيرٌ، فشرَع في ذلك، وحَفَرَ حَفِيرةً عظيمةً، واشْتَرى الحِجَارة والكِلْس، وعَقَدَ المَصْنَع.

وفَرغ الذَّهَب الَّذي حُمِلَ إليه، ولم يتمّ المَصْنَع، فضاقَ صَدْرُهُ، وتقَسَّم فِكْرُهُ في الطَّريْق الَّذي يَتَوصَّل بهِ إلى إتْمام المَصْنَع، فطَرَقَ عليه طارِقٌ في اللَّيْل، فخرَجَ إليه، فوَجَدَ ذلك الإنْسَان بعَيْنهِ، فدَفَع إليه ألف دِيْنار أُخْرَى، وقال: أَتْمِمْ عَمَلكَ بهذه. فأخَذَها، وتَمَّمَ بها عَمَل ذلك المَصْنَع، فجاءَ في غاية السَّعَة والرَّكانة. فيُقال: إنَّهُ مُنذ عُمِل لم يُعْرف أنّه فَرَغ ماؤه، ويَسْتَعمل منه السَّقَّاءون والنَّاس.

قال: فجَعَلَ أهْلُ حَلَب يَطْعنُونَ على المُتَولِّي للوَقْفِ، ويَقُولُون: ضَيَّعَ أمْوَال الجامِع! ويَسْعونَ فيه إلى صاحِب حَلَب، ويقولُون: إِنَّهُ قد أضاعَ مال الوَقْف، وأنْفَقَ منهُ في عِمَارةِ مَصْنعٍ جُمْلَةً وافِرةً! فطَالَبهُ بحِسَاب وَقْف الجامِع، فرَفَعه إليه، فتأمَّلهُ فلم يَجِد ذِكْر دِرْهَمٍ وَاحدٍ ممَّا غَرم على المَصْنعَ! فقال له صاحِبُ حَلَب: الغَرامَة الَّتي غَرمْتَ على هذا المَصْنَع ما أرَى لها ذِكْرًا!؟ فقال: واللهِ ما غَرمْتُ من مالِ الجامِع عليه شَيئًا أصْلًا، وإنَّما هذا ممَّن قَصَدَ به وَجْهِ الله تعالَى بما فَعَل. وقَصَّ عليه القِصَّة" (١).


(١) الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ١٠٨ - ١١٠، وأورد سبط ابن العجمي حكاية عمل المصنع (الصهريج) لجمع الماء، ونسبها إلى شَيْخ يعرف بابن الأيسر، قال: "وفي أرض الجامع حاصل للماء صنع قبل مجيء الماء الحلو من القناة إلى حلب وكان ابن الأيسر متوليًا على الجامع فطرق عليه شخص الباب ودفع إليه ألف دينار. وقال: اصرف هذا في وجه من وجوه البر. ففكّر فوقع له أن يصرفه في عمارة مصنع لخزن الماء، فشرع في ذلك. وفرغ المال فضاق صدره لذلك، فجاءه أيضًا ودفع إليه ألف دينار، فطعن عليه؛ وقالوا: ضيع مال الجامع. وسعوا به إلى صاحب كذا .. فطالبه بالحساب. فأجابه. فلم ير فيه درهمًا واحدًا مما صرفه. على ذلك فسأله عن ذلك فأخبره بالقصة.
وفي تاريخ ابن العديم أن الذي فعل ذلك من أجداده وأقاربه. وابن الأيسر لم يكن من أقاربه فحصل في ذلك قولان". انظر: سبط ابن العجمي: كنوز الذهب ١: ٢١٨ - ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>