للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَيَّر إليَّ ابن تَيْمِيّة خَطِيبُ حَرَّان کتابَ بَابَا الصَّابِئ الحَرَّانيّ، يَشتَمِلُ على سَبْع مَقالاتٍ، ذَكَرَ فيها ما يكُونُ في الأزْمان، وقيل إنّه تكلَّم بذلك قبل هِجْرة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بثلاثمائة سَنةٍ وسَبْعةٍ وستِّين سنةً.

قال في المقالةِ الرَّابِعة: والأسْرار الخَفِيَّة ظهرَتْ لي وانْزَعَجَتْ نَفْسِي، ورُعب قَلْبي أنْ أتكلَّم، وتكلَّمْتُ بغير اخْتيارِي لأنّي أُمِرْتُ من رَبّ الأرْبابِ بذلك حتَّى أُعَرِّفَ وأُبَيّن ماذا يكون في الأزْمَان، وذلكَ أنَّه تَنْتَبِهُ الحَبَشَةُ الّذين هُم أفاضِلُ أهْلِ القِبْلَة، ويَخْرج مَلِكُهم الّذي اسْمُهُ حَسَن بقُوَّة عَظِيمَة، ما لا يَحْوِيْهِ عَدَدٌ من كَثرتهِ مَعَ دَوَابّهم وسَوَادِهِم، وأعْوَادُهُم كالحَيَّات، ودَوَابُّهم كالسِّبَاع تَعج، ويكون خُرُوجهم من قِبْلةِ المَغْرب، ويكُون عددُهُم كعَدَدِ الرَّمْل والجَرَادِ، ويكون أشَدّ شَرًّا من الحَيَّات، والشَّرَابِيْش (١) التّي على رُؤوسهم من الخُوْصِ، وهم فارغُونَ من المَال والنَّفَقَة، ولا في قُلُوبهم رحمةٌ لوَالدٍ ولا وَلَد، وتَجْتَمع أجنادُهُم وجُيُوشُهُم كالجَرَاد الّذي يَطِيرُ، ويَعْبر البِلادَ الخَرِبَةَ، ويصَل إلى البِلَادِ العَامِرَةِ، ويَمْلِكُونَ بلاد النُّوْبَةِ وبلَاد مِصْر، ويَصْعَدُونَ من هُناكَ إلى دِمَشْق ويُفْسِدُونَها ويُخَرِّبُونَها، ويأتي نَهْر الأُرْدُنّ ويَعْبُر على فِلَسْطين، ويَنْزلُ على الفُرَاتِ، وتَأْمن مَدِينَةُ الأحْبار المُسَمَّاة مَابُوْغ -هي حَلَب- وحينئذٍ يأتي إليكِ يا حَرَّانُ، وأنتِ أيضًا تكُونين في الأمْن والسَّلامَة، وأهلُ السَّماءِ فيك يَسْكُنونَ، ويرفع شَأنُ أهْلِ حَرَّان إلى المَنْزلِة العُلَيا ويُحاربُون ويَقْهَرُونَ البَرَّ والبَحْرَ بعقْدٍ قَوّي، ويطرد واحدٌ لمائةٍ وعشرين، ويَطردُ عشرُون لألفين، وكُلّ مَنْ لا يَقْبَلُ منهم ويَسْمَعُ كلامَهُم يَقْتلُونَهُ.

وذَكَر في المقالةِ السَّادِسةِ وقال: فَصْلٌ، إذا ما انْتَهَتْ مَملَكَةُ الأهْوَاز، يكُون قتالٌ عظيمٌ، ويُسْفَكُ في الأرْض دَمٌ عظيمٌ، ويَكُون في المَغْرب قِتالٌ شَدِيدٌ مُدَّة


(١) الشَّربش: هدب الثوب. (تاج العروس، مادة: شربش)، والشربوش غطاء للرأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>