للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَرَ البَلاذُرِيّ، فيما حَكاهُ في كتابه، قال (١): وحَدَّثَني أبو حَفْص (a) الدِّمَشْقِيّ، عن سَعيد بن عَبْد العَزِيْز قال: لمَّا افْتَتح أبو عُبَيْدَة بن الجَرَّاح دِمَشْق، اسْتخلف يَزِيد على دِمَشْق، وعَمْرو بن العَاص على فِلَسْطين، وشُرَحْبِيل على الأُرْدُنّ، وأتى حِمْص فصَالَحَ أهلَها على نحو صُلْح بَعْلَبَك، ثمّ خلَّفَ بحِمْصَ عُبَادَةَ بن الصَّامِت الأنْصاريّ، فمضَى نحو حَمَاةَ، فتلقَّاهُ أهلُها مُذْعنينَ فصَالَحَهُم على الجِزْيَةِ في رُؤوسهم، والخَرَاج في أرضِهم، فمضَى إلى شَيْزَر فخَرجُوا يُكَفِّرُونَ ومَعَهم المُقَلِّسُونَ ورضُوا بمثْل ما رَضِي به أهل حَماة (b)، ومَرَّ أبو عُبَيْدَة بمَعَرَّة حِمْصَ؛ وهي الّتي تُنْسَبُ إلى النُّعْمان ابن بَشِير، فخَرَجُوا يُقَلِّسُونَ بين يَدَيه، ثمّ أتَى فَامِيَةَ ففَعَل أهْلُها مثل ذلك وأذْعَنُوا بالجِزْيَة والخَرَاج، واسْتمرَّ (c) أمر حِمْص. وكانت حِمْصُ وقِنَّسْرِيْن شيئًا واحدًا.

قَوْلهُ: يُكَفِّرُونَ؛ أي: يَخْضَعُونَ بأنْ يَضَعُوا أيْديَهُم على صُدورِهِم، ويَتَطأْمَنُوا له كما يفعَلهُ العُلُوجُ بدَهاقِيْنِهم. قال جَرِير (٢): [من الكامل]

وإذا سَمِعْتَ بحَرْبِ قَيْسٍ بَعْدَها … فَضَعُوا السِّلاح وَكَفِّرُوا تَكْفِيرَا

والمُقَلِّسُونَ: الّذين يلعَبُونَ بين يَدي الأَمِير إذا قَدِمَ المِصْر، قال أبو الجَرَّاح (٣): التَّقْلِيْسُ: اسْتِقْبالُ الوُلَاة عندَ قُدُومهم بأصْناف اللَّهْو. قال الكُمَيْت يَصِفُ ثَوْرًا طَعن الكِلَابَ فتَبعهُ الذُّبابُ لِمَا في قَرْنهِ من الدَّم (٤): [من البسيط]


(a) كنَّاه في الأصل بأبي جَعْفَر، والصواب ما أثبت من فتوح البلدان (مصدر النقل)، أخذ عنه البَلاذُرِيّ ١٣ مرَّة، والمشهور بهذه اللقب والكنية هو: عَمْرو بن أبي سَلَمَة التنِّيسيّ -لنزوله بتنِّيس- الدّمشقيّ (ت نحو ٢١٤ هـ)، والبلاذري توفي سنة ٢٧٩ هـ وجُهلت سنة مولده، فلعله أدركه وأخذ عنه في حداثة سِنِّه.
(b) الأصل: حَلَب، والمثبت من فتوح البَلاذُرِيّ (مصدر النقل) وهو أوْفَق، ومثله في الكامل لابن الأَثير ٢: ٤٩٢.
(c) كذا في الأصل، وعند البلاذري: واسْتتمَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>