مُحَرِّضًا عليهِ ومُتَنادِرًا به كنَوَادر المُخَنَّثِين، كما حَمَلَ مثلُه أبا مُحمَّد المُهَلَّبِي مُسْتَوْزَرَ بَخْتِيار بن مُعِزّ الدَّولَةِ على إغْرَاءِ سُفَهاءِ بَغْدَاد عليهِ، ومُعاملَته بالسُّخْف الّذي أعْرَض بوَجْههِ عنْهُ وعنهم ولم يَزِدْ في الجَوَاب على الخَسْأ، تَرَفُّعًا وتَنَزُّهًا واكْتفاءً من مُهاجاتِهِم، على ما في خلال شِعْره من مثل قَوْلِه (١): [من البسيط]
أفَاضِلُ النَّاسِ أعْرَاضٌ (a) لذا الزَّمَنِ … يَخْلُو من الهَمِّ أخْلَاهُم من الفِطَنِ
وذكر أبياتًا مثلَهُ.
وقال: ثمّ ما يُدْريني هل كان في سبب الفَتك به من الأعرابيِّ نُبَذٌ من ذلك الإغراءِ، فالقَائلُ بالشَّرِّ غيرُ مُبَالٍ أيضًا بفعله، وخاصَّةً عند استِمَاع ما كان حظي به لَدَى المَقْصُودين من القَبُول والإقْبَال، حتَّى إنَّهُ قال عند دخوله إلى شيراز: أنا لا أُنْشد ماثِلًا، فأمر عَضُدُ الدَّوْلَة بكُرسيّ له، فلمّا دَخَلَ ورآهُ، أنشدَهُ قائمًا، فأمره بالجُلُوس، فأبَى وقال: هيبَتُكَ تمنع عن ذلك، فوقع قوله وفعله منه أحسَنَ المَواقِع (٢).
وكان المُهَلَّبِيّ -مع بَخْتِيارِه- يُنَاكر أنَّ عضُد الدَّوْلَة فعل ذلك حَنَقًا وجَهلًا بالقدر.
قال: وممَّا يغيظُنِي حقًّا قومٌ مُتَّسِمُونَ بالفَضْلِ يُكابرُونَ عُقُولَهُم في أمره، ويَرْتكبُون في إطفاءِ نُوره، كشَمْس المَعَالي قَابُوس، فقد كان يقول: ليس للمُتَنَبِّي في ديوانه ما يَسْوَى استماعًا إِلَّا أربَعَة أبيات، ثمّ لم يكن يبتدئ من ذات نفسه بالإشارة إليها، وكان سوءُ خُلقه يَمْنَعُنِي من سُؤالِه عنها، وكأبي الفَتْح البُسِتِيّ في قَوْله (٣): [من المتقارب]