للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَعرض سُيوفًا، فلمّا بَصُرَ بأبي الطَّيِّب نَهض من مجلسه، وأجلَسَه في دَستِهِ، ثمّ قال لأبي الطَّيِّب: اختر سيفًا من هذه السُّيوف، فاختار منها واحدًا ثقيل الحَلْي، واختار ابن العميد آخر غيره، فقال كلٌّ منهما: سيفي الَّذي اخترته أجْوَد! ثمّ اصطلحا على أن يُجرِّباهما، فقال ابنُ العميد: فبماذا نجرِّبهما؟ فقال أبو الطَّيِّب: في الدنانير، فيُؤتى بها فيُنَضَّدُ بعضها على بعض، ثمّ تُضرب به، فإن قدَّها، فهو قَاطعٌ، فاستَدعى ابن العميد بعشرين دينارًا، فنُضدت، ثمّ ضربها أبو الطَّيِّب فقَدَّها وتفرَّقت في المَجلس، فقام من مجلسهِ المُفخَّم يلتَقط الدنانير المُتَبدِدة في كُمِّه، فقال ابن العميد: ليَلزم الشّيخُ مجلسه. فإنَّ أحد الخُدَّام يلتقطها ويأتيه بها، فقال: بل صاحب الحاجة أولى بها.

قال ابن فُورَجَة: وكان رَجُلًا ذا هيئةٍ، مُرَّ النَّفْس، شجاعًا، حُفَظَةً للآداب، عفيفًا، وكان يَشِيْن ذلك كُلَّهُ ببُخْلِه.

قرأتُ على ظَهْر نُسخة قَديمة من شعر المُتَنَبِّي ما صُورتَهُ: وحَكى أبو بَكْر الخُوارِزْمِيّ أنَّ المُتَنَبِّي كان قاعدًا تحتَ قَول الشَّاعر (١): [من الطّويل]

وإنَّ أحقَّ النَّاس باللَّوْمِ شَاعرٌ … يلُوم على البُخل الرِّجالَ ويَبْخَلُ

وإنَّما أعربَ عن طريقَته وعادته بقوله (٢): [من الطّويل]

وُقُوفَ شَحِيحٍ ضاع في التُّرْبِ خَاتَمُهْ

قال: فحضرتُ عندَهْ يومًا وقد أُحْضِرَ مالٌ من صلَاتِ سَيْف الدَّوْلَة،


(١) هو الشاعر أحْمَد بن صالح بن أبي معشر، أبو عَبْد اللهِ بن أبي فنن (ت ٢٧٨ هـ)، والشعر عند: ابن حمدون: التذكرة الحمدونية ٢: ٣٢٧، الثعالبي: يتيمة الدَّهر ١: ١١٩، الثعالبي: التمثيل والمحاضرة، ١٨٧ ابن رشيق القيرواني: العمدة ١: ١٩٦، ابن خلكان: وفيات الأعيان ١: ٤٠٠، وفي غيرها من المجاميع الأدبية.
(٢) ديوانه بشرح العكبري ٣: ٣٢٨، وصدر البيت: بَلِيتُ بِلَى الأطلال إنْ لم أقِفْ بها

<<  <  ج: ص:  >  >>