للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصُبَّ بين يديهِ (a) على حَصِيرٍ قد افتَرشَهُ، فوُزِنَ وأُعيدَ في الكِيْس، وتخلَّلَتْ قطعَةٌ -كأصْغَر ما تكُون- خِلَال الحَصِيْر، فأكبَّ عليه بمَجامِعِه يُعَالِجُ لاستنقاذهَا منهُ، ويَشْتَغِلُ [بذلك] (b) عن جُلَسائه، حتَّى توصَّل إلى إظْهارِ بَعضها، وأنْشَدَ قَولَ قيس بن الخَطِيم (١): [من الطّويل]

تَبَدَّتْ لنا كالشَّمْس بين غمامَةٍ (c) … بَدَا حَاجِبٌ منا وضَنَّتْ بحَاجبِ

ثمّ استَخْرجها وأمر بإعادتها إلى مكانها، وقال: إنَّها تُخَضِّرُ (d) المائدة.

أنبأنا أحْمَد بن أزهر بن عبد الوهّاب البَغْداديّ في كتابه، عن أبي بَكْر مُحمَّد بن عبد البَاقي الأنصارِيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو غالِب بن بِشْرَان إجَازَةً، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن علىّ بن نَصْر الكاتب -قُلْتُ: ونقَلْتُه من خطِّه ببغْدَاد- قال: حَدَّثَنِي أبو الفرج عَبْد الوَاحِد بن نَصْر البَبَّغَاء، قال: كان أبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي يأْنَسُ بي، ويَشْكو عندي سَيْفُ الدَّوْلَة، ويأمَنُنِي على غِيبَتِه له، وكانت الحَالُ بيني وبينهُ صافيَةً عَامِرَةً دونَ باقي الشُّعَراء، وكان سَيْفُ الدَّوْلَة يغْتَاظ من عَظَمَته وتَعاطيْهِ (e)، ويَجْفُو عليه إذا كَلَّمَهُ، والمُتَنَبِّي يُجيبُهُ في أكثر الأوقاتِ، ويتَغَاضَى في بعضِها.

قال: وأذكُر لَيلَةً وقد اسْتَدعى سَيْفُ الدَّوْلَة بَدْرةً فشَقَّها بسِكِّين الدَّواةِ، فمدَّ أبو عَبْد اللهِ ابن خَالَوَيْه النَّحْوِيُّ جَانِبَ طَيْلَسَانه، وكان صُوفًا أزْرَق، فحَثا فيهِ سَيْفُ الدَّوْلَة صَالِحًا، ومَدَدْتُ ذَيْلَ دُرَّاعَتي، وكانت دِيباجًا، فَحَشي لي فيها،


(a) في الأصل: "وقد أحضر مال [فصب بين يديه] من صلات سَيْف الدَّوْلَة، وإعادة ترتيبه حسب رواية الخبر عند الثعالبي: يتيمة الدَّهر ١: ١١٩ - ١٢٠، وابن خلكان: وفيات الأعيان ١: ٤٠٠.
(b) زيادة من الثعالبي وابن خلكان.
(c) في الديوان: تحت غمامة، وكتب ابن العديم في الهامش أسفلها: "المعروف: تحت غمامة". والرّواية أعلاه عند الثعالبي ١: ١٢٠، وابن خلكان ١: ٤٠٠.
(d) عند الثعالبي وابن خلكان: تحضر.
(e) كذا في الأصل، ولعله: تعاليه؛ كما في وفيات الأعيان ١: ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>