للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجُل من وُجُوه التُّنَّاءِ (١) بهذه النَّاحِيَة وله أَدَبٌ وحُرْمَةٌ، فأجابنا عن كتابنا جَوَابًا طويلًا يقول فيه: وأمَّا ما سألتُما عنه من خَبَرِ مَقْتَل أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي رَحِمَهُ اللهُ، فأنا أنسُقُه لكما وأشْرَحُه شَرْحًا بَيِّنًا:

اعلَمَا أنَّ مسيرهُ كان من وَاسِط في يَوْم السَّبت لثلاث عَشرة لَيْلَة بَقِيَتْ من شَهْر رَمَضَان سَنَة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة، وقُتِلَ ببَيْزَعَ (٢)؛ ضَيْعَةً بقُربٍ من دَيْر العَاقُول في يَوْم الأرْبَعَاء للَيْلَتَيْن بَقِيَتا من شَهْر رَمَضَان سَنَة أربعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، والّذي تولّى قَتْلَهُ وقَتْل ابنهِ وغُلَامهِ رَجُل من بني أسدٍ يُقال له فَاتك بن أبي الجَهْل بن فِرَاس بن بَدَادٍ (a)، وكان من قَوْله لمَّا قَتَلَهُ وهو مُنْعَفِرٌ: قُبْحًا لهذه اللّحْيَة يا سَبَّاب، وذلكَ أنَّ فاتكًا هذا قَرابةٌ لوالدة ضَبَّة بن يَزِيد العَيْنِيّ الّذي هَجَاهُ المُتَنَبِّي بقَوْلِه (٣): [من المجتث]

ما أنْصَفَ القَوْمُ ضَبَّهْ … وأُمَّهُ الطُّرْطُبَّهْ

ويقال: إنَّ فَاتِكًا خالُ ضَبَّة، وأنَّ الحَمِيَّة داخَلتْهُ لمَّا سَمع ذِكْرها بالقَبِيْح في الشِّعر.

وما للمُتَنَبِّي شِعْر أسْخَفُ من هذا الشِّعر، ولا أوْهَى كَلَامًا، فكان على سَخَافته وركاكَته سبَبَ قَتْله وقَتْل ابْنه وذهَاب ماله.

وأمَّا شَرحُ الخَبَر؛ فإنَّ فاتِكًا كان صديقًا لي، وكان كما سُمِّي فاتكًا لسَفْكِه

الدِّماءَ، وإقْدَامه على الأهْوَال، فلمَّا سَمَعٍ الشِّعْر الّذي هُجِي به ضَبَّة، أحْظَهُ ذلك


(a) المقفي للمقريزي ١: ٣٧٨: بكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>