للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلعِ القَرْن الثَّامن الهِجْريِّ، فإنَّ النُّسْخَةَ النَّفِيْسةَ من كتابِ المغرب والَّتي كَتَبها ابنُ سعِيد بخَطِّهِ وجَعَلَها برَسْمِ هذه الخِزَانَة، قد انْتَقلَتْ إلى ملكِ صَلَاح الدِّين خَليل بن أيْبَك الصَّفَديّ (١)، ثم أصْبَحَتْ ذاتُ النُّسْخَةِ في ملكِ أعْلَامٍ من مِصْرَ منذُ مَطْلعِ القَرْنِ التَّاسع الهِجْريّ كابنِ دُقْماق (ت ٨٠٩ هـ) وأحْمَدَ بن عَبْد الله الأوْحَديّ (ت ٨١١ هـ) والمقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) (٢)!.

إنَّ رِحْلَةَ ابن العَدِيْم الأخِيرة إلى مِصْر - وهي الَّتي قرَّرَ فيها مُغادَرةَ حَلَب بعد أنْ هَالَهُ ما فَعَلَهُ فيها التَّتَارُ من عَيْثٍ وتَخْريبٍ، ووثَّقتْهُ قَصِيدتُهُ الطَّويلة الَّتي تقدَّمَ الإلْمَاع لها - كانتْ رِحْلة بنِيَّةِ الإقامَةِ والاسْتِقرَارِ في مِصْر، ولعلَّ من الطَّبِيْعيّ أنْ يَصْطَحِبَ معه كتابَهُ الَّذي وَالى تَبْييضَهُ وتَنْقيحَهُ والاسْتِدراكَ عليه كُلَّما وَقَعتْ بين يَديهِ مَصادرُ جَدِيْدةٌ، وكُلَّما أفْسَحَتْ له الشَّواغِلُ.

وثَمَّةَ ما يَجْعلُني أَمِيلُ إلى الافْتِراضِ الثَّاني منهما، بدَالّةِ ما ألْحقهُ المُؤلِّفُ من زيَاداتٍ على الكتابِ بعدَ غَزْو التَّتَار لحَلَب، وما قيَّدَهُ بعد ارْتِحاله الأَخِير إلى مِصْرَ. ومع ذلك، فإنَّ كلا الافْتِراضَيْن يُؤشِّران إلى انْتقالِ أجْزاء الكتاب إلى مِصْر، إمَّا صُحْبَة المُؤلِّفِ أو فيما بعد؛ وتَحْديدًا بعدَ القَرْنِ الثَّامن الهِجْريّ، ونَجِدُ في تقييدِ ابن السَّابق الحَمَويّ (ت ٨٧٧ هـ)، وهو الَّذي تَملَّكَ الأجْزاءَ الَّتي وَصَلتْنا من الكتابِ، إشارةً إلى سَنَدِه في رِوَايةِ الكتاب، كَتَبَهُ على طُرَّةِ الجُزءِ الأوَّل، ونَصُّه:

"يقُولُ كاتِبُ هذهِ الأحْرُفِ، فَقِيرُ عَفْو الله تعالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحَمَويّ الحَنَفيّ، عامَلَهُ اللهُ بلُطْفِه الخَفِيّ: إنَّهُ يَرْوي تاريخَ حَلَب للصَّاحِبِ كَمال الدِّين عُمَر بن أحْمد المعَرُوف بابن أبي جَرادَة وبابن العَدِيْم، عن الشَّيخ تَقي الدِّين أحمد بن عليّ بن عَبْد القَادِر


(١) المغرب لابن سعيد (قسم مصر) مقدمة التحقيق ١: م ٥٩. وكان الصفديّ قد تولّى كتابة السر في صفد ومِصْر وحَلَب سنة ٧٢٣ هـ وأخيرًا في دِمَشْق فتوفي بها سنة ٧٦٤ هـ.
(٢) المغرب لابن سعيد (قسم مصر) مقدمة التحقيق ١: م ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>