للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنيئاً بني العبَّاس إنَّ إمامَكُم … إمَامُ الهُدَى والباس والجُوْدِ أحْمَدُ

كما بأبي العبَّاس أُنْشِئَ مُلْكُكم … كذا بأبي العبَّاس أيضاً (a) يُجَدَّدُ

إمَامٌ يظَلّ الأمْسُ يُعْمِلُ نَحْوَه … تلَهُّفَ مَلْهُوفٍ ويشتاقُهُ الغَدُ

قرأتُ في كتاب أخْبَار المُعْتَضِد من أخْبَار بَغْدَاد، لعُبيد الله بن أحْمَد بن أبي طَاهِر، الّذي ذَيَّلَ به على تاريخ أبيهِ (١)، قال: وكان المُعْتَضِد باللهِ خَلِيفَة لم يقُم من خُلَفاء بني العبَّاس بعْدَ المْنَصُور خَلِيفَة كان أكْمَلَ منه شجاعةً، ورجلةً، وجزَالَةً، ورَأياً، وحذْقاً بكُلِّ صِنَاعَة، وعَدْلاً وانْصافاً، وحُسْن سِيْرَةٍ، مُؤيَّداً بالنَّصْر، مَقْروناً بالظَّفَر.

تولَّى الخِلَافَة وهي عَلَقَة مُتَمَزِّقة مُتَفرِّقة، فجمعَ أطْرافَهَا، وضَمَّ مُنْتَشرها، وشَدَّد أرْكَانها، وقوَّى عِمَادَها، ووَكَّدَ أسْبابَها، وسَنَّ السُّنَن العَادِلَةِ، وأبقَى في رَعيَّته الآثار الفَاضِلةَ، ودوَّخَ البِلادَ، وقَوَّم العِبَادَ، حتَّى ردَّ المَمْلكة إلى حالِ جِدَّتها بعد درُوسها، ودَانَتْ له الأطْرافُ، وخضَعَت له الأشْرَاف، وأمنَت خارجيٌّ إلَّا قَصَمه، ولا مُسْتَصْعَبٌ إلَّا وَقَمَه ولا عَاصٍ إلَّا اصطَلَمَه، وأمنَت السُّبُل بعد أنْ كانت مَخُوفَة، واطْمأنَّتِ النُّفُوسُ بعد أنْ كانت مرعوبة، ودرَّت الأمْوَال بعد أنْ كانتْ مُنْقَطعَة، واسْتَوَت بالعَدْل والإنْصَاف أحْوَالُ الرَّعِيَّة.

قال عُبَيْد الله بن أحْمَد بن أبي طَاهِر: ومن سِيْرة المُعْتَضِد الجَمِيلة، وسُنَنه الحَسَنة، رَفْعُهُ المَوَارِيْث في أوَّل خِلَافَتهِ، وما كان من الظُّلْم فيها، وزيادته في مَسْجِد الجامع بالجانب الغَرْبيّ من قَصْرِ المَنْصُور بمَدِيْنَة السّلام حتَّى اتَّسَع، وتأخيره الخَرَاج، وتَسْهيل العِقَابِ والطُّرُقات، وقَطْعُه الحِجَارَة المانعَة للمُجْتازين


(a) ديوان ابن الرومي: منكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>