للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال لي: أنْتَ تَصِفُ الرَّجُل بالعَدْل ويَسْتَعمل من هؤلاء القَوْم مَنْ يَفْعَلُ هذا الفعْلَ؟ فقُلتُ: لا عِلْم له (a) بفعلِهم، وحَضَرت صَلاةُ المَغْرب، فقال لي: تقدَّم وصَلِّ بي، ووقفَ على يَمِيْني فصلَّيْتُ به المَغْرب، ثمّ فَرغ ورَكعَ، ورَكِبَ بَغْلةً وأخَذَ على المَقَابِر على الصَّحْرَاءَ، وانْصَرفت إلى مَنْزلي، فإنِّي لجالِسٌ على إفْطاري إذ سَمِعْنا على الباب جَلَبَةً، فاطَّلَعت إحْدى البنات فقالت لي: يا أبَت، على البابِ قَوْمٌ من أصْحَاب السُّلْطان فنَزَلْتُ فإذا صَاحِبُ الشُّرْطَةِ سَرِيٌّ، فحملَني على بَغْلٍ، وأخَذَ بي على الصَّحْرَاء إلى جَبَل، فإذا جَمِعٌ وإذا بصَاحبي جالسٌ وبينَ يَدَيْهِ شَمْعٌ، فقال لي: عندي يا إمَامي، السَّاعَة صلَّيت المَغْرب، ثمّ قال: يا سَرِيّ ما يقْدِر لي أبو أحْمَد المُوَفَّق على مثل ما كدتني به أنتَ، أبو أحْمَد يَلْقَاني برجالٍ، وألْقاهُ برجالٍ، وبكُرَاع وسلاحٍ وعُدَّة، وألقاهُ بمثلها، أبو أحْمَد لا يَقْدر يوقفُ لي اللَّيْلة مثل هذا الرَّجُل المَسْتُور في اللَّيْلِ وخَلْفه أرْبَعُ بناتٍ مَظْلُومات يَرْفعُونَ أيديَهم إلى الله، هذا يُهلكني.

قال: ثمّ الْتفَتَ إليَّ فقال: أنْشُدك الله إنْ دعوتَ عليَّ، ثمّ قال: يا سوَار، أحضرْ ما قلْتُ لكَ، فأحْضَر أربَعَ صُرَر وأربع رزَم ثياب، وقال لي: يا شَيْخُ، ادْفَع الصُّرَر إلى أصْحَاب الحَلَق، إلى كُلِّ واحدةٍ مائة دِيْنار ورزمَة من الثِّيَابِ يَكْتَسِيْنَها، وهذه ثلاثون دِيْنارًا ابَتعْ بها جَارِبَةً مَشْهُورةً مَخْبُورةً، وبيعُوا هذه الجَارِيَة الّتي باتَتْ بحيث لا يَصْلح (b). أجْرَيتُ عليكَ وعلى بناتِك خمسَةَ دَنَانِيْر في كُلِّ شهرٍ لكُلِّ نَفْسٍ منكم دِيْنار، ومائدة طَعَامٍ يَوْم الاثْنَين، ومائدة يَوْم الخَمِيْس، ولا تَدْعُو عليَّ، وانْصَرَف.

وقال الحَضْرَميُّ: حَدَّثنا مُحَمَّد بن الحَسَن بن عليّ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَني أبو إسْحاق بن الطَّبِيْب، قال: رَكِبَ أحْمَد بن طُوْلُون إلى الجامع في جَيْشهِ


(a) في الأصل: لي، وصوَّبه المؤلف في الهامش بالمثبت.
(b) كذا في الأصل بالياء في أولها.

<<  <  ج: ص:  >  >>