للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجَّالته، فاجْتازَ بالمَوْقف، وكان في المَوْقف دُكَّان فُقّاعِيّ، فعَبَثَ السُّوْدان بالفُقّاعِ فبدَّدُوه في مَسِيْرهم، ثمّ جاء أحْمَدُ بن طُوْلُون وقد انْكَشف له الأرْض، فرَأى الفُقّاع مُبَدَّدًا، وكان بينَ يَديْهِ ابْنَاه العبَّاسُ وخُمَارَوَيْه يحجُبَانهِ، فنَرلا، فرأيتُهما يجمَعان الفُقّاع من الأرْض، ويَرُدَّانه إلى دُكَّان الفُقّاعِيّ حتَّى بقيَت واحدة على بُعْد، فأَوْمَى بإصْبَعهِ إليها، فرأيتُهما قد علَّقا سَيْفَي ذَهَبٍ بأيدِيْهما وجَرَيا إليها حتَّى أخذَها أحدُهُما ورَدَّها إلى دُكَّان الفُقّاعِيّ، فحينئذٍ سَارَ الأَمِير أحْمَدُ بن طُوْلُون.

قَرَأتُ في كتاب نُزْهَة عُيُون المُشْتاقِيْن (١)، تأليفُ أبي الغَنائِم عبد الله بن الحَسَن النَّسَّابَة، قال: وحَدَّثَني فَخْر الدَّوْلَة نَقِيبُ نُقَبَاء الطَّالِبيّينَ قال: حَدَّثُوني عن أحْمَد بن طَيْلُونَ (a) أنَّهُ أرادَ أنْ يَرْفع المُكُوس الّتي على النَّاس بمِصْر، فقال لوَزِيره: أبْصر كَم مَبْلغ المُكُوس؟ فقال: مبْلَغها مائة ألف دِيْنارٍ في كُلِّ سَنةٍ، فقال له: أُريدُ أنْ أرفَعَها عن النَّاس، فقال له الوَزِيرُ: لا تَفْعَل أيُّها الأَمِيرُ، فإنَّكَ إنْ حَطَطتها ضَاقَ عليك المال، وطالبَك الرِّجَال، فتقْصر يدُكَ عن مالهم ويكُون ذلك فَسَاد، فثَنَى عزمَهُ عن حَطِّها.

قال: فلمَّا كان عَشِيَّة ذلك اليَوْم، رأى أحْمَد بنُ طَيْلُون الأَمِير في النَّوْم كأنَّ قَائلًا يقُول لهُ: يا فُلَان، رجع بدا لك (b) ممَّا هممتَ بهِ من حَطَّ المُكُوس عن النَّاسِ، لو كُنْتَ تركتُهُ لله عزَّ وجلَّ، لكان عَوَّضَكَ خَيْرًا ممَّا تركْتَ، فانتَبَه. فقال: والله لا أخَذتُها لقاءَ اللّه عزَّ وجلَّ، ثمّ أمَرَ فَحُطَّت عن النَّاس بأسْرِهَا.

قال: ثمّ بقي مُدَّةً يَسِيْرةً، ورَكِبَ حتَّى أتَى إلى سَفْح الجَبَل فوقعَتْ رِجْلُ الفَرَس في مثل الخوَار من الأرْض، فنظَروا، فإذا هو كَنْز فيه أَلْفُ ألْفِ


(a) أثبته ابن العديم كما وجده في الأصل، وجوَّده، وكتب فوقه "كذا"، وقال في آخر النقل أن هذا من كلام العوام.
(b) كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>