للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه: {حُرمتْ عليكُمْ أمهاتُكم} [النساء: ٢٣]. وساقَ ذِكْرَ المحرماتِ، والمرادُ به: حُرم عليكم أفعال وأقوال؛ كالنكاح والجماعِ والاستمتاعِ، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، والمراد به: إمساكُكُم إيَّاها، وتناولُكم منها أكْلًا واستعمالًا، فعادَ النَّهيُ إلى أفعالِنا فيها، ومقصودِنا إلى التناولِ لها والانتفاعِ بها، الذي يَدْخُلُ تحتَ مقدورِنا، إذْ لم تكنْ هي بأعيانِها داخلةً تحتَ مقدورِنا، فتحرمُ ذواتُها علينا.

ومِن ذلك قولُه: "رُفعَ عنْ أمتي الخطأ والنسيان" (١)، والمرادُ به بعُرْفِ اللغةِ: رَفعُ حُكْمِ الفِعْلِ العَمْدِ ومأثمهُ، ويتجوَّز الفقهاءُ فيقولون: رُفعَ مأثَمُ الخطأ، وإنَّما هو رَفْعُ مأثم الفعلِ والذم عليه والعقاب، وقامَ الدليلُ على أنه لا يرتفعُ الغُرْمُ والضَمانُ الثابت بالعمدِ، ولا يجوَزُ أنَّ يكونَ رفعُ عين الخطأ، إذْ عينُ الفعلِ عمداً وخطأً لا يختلفُ في الوجودِ والفناءِ، لانهما عرضان لهما حكمُ سائر الأعراضِ.


(١) أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (١/ ٢٥١ - ٢٥٢) من حديث أبي بكرة، وقال فيه الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب. انظر "موافقة الخُبر الخبَر" ١/ ٥٠٩.
وأخرجه من حديث ابن عباس بلفظ: "إنَّ الله تجاوز عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ابن ماجه (٢٠٤٥)، والحاكم ٢/ ١٩٨، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٣/ ٩٥، والطبراني في "الصغير" ١٠/ ٢٧٠، والدارقطني ٤/ ١٧٠ - ١٧١، والبيهقي ٧/ ٣٥٦، وابن حبان (٧٢١٩). وعند بعضهم بلفظ: "إن الله وضع" وإسناده صحيح على شرط البخاري، وقال فيه الحافظ ابن حجر: "هذا حديث حسن". انظر "موافقة الخُبرِ الخبر"١/ ٥١٠، وفي الباب عن أبي ذر عند ابن ماجه (٢٠٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>