للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الفرقِ بين المُعارَضةِ والقياسِ

اعلم أن المعارضةَ قياسٌ يُعتمدُ فيه على المناقضةِ، وهي نوع من القياس، ألا ترى أن عِمادَها التسويةُ بين ما عُورِضَ به وبين ما عُورِضَ، فكلُّ (١) معارضةٍ قياس، وليس كلُّ قياس معارضةً، ألا ترى أن النَحْوَ تقاسُ فيه الفروعُ على الأصولِ، فالاعتمادُ فيه على القياسِ، وليس الاعتمادُ فيه على المعارضةِ، وكذلك الفقهُ تقاسُ فيه الفروعُ على الأصولِ ولا تُعارَض.

ومعارضةُ كلُّ مبطِلٍ إنما تكونُ بما يَكشِفُ عن بُطلانِ مذهبهِ، مثلُ من يَكشِفُ (٢) بمذهب أن اللهَ سبحانه لا يجوزُ أن يُعذَبَ من لم تَبلُغْه الدعوةُ؛ لأن اللهَ قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، أو لأن من لم تَبلُغْه الدعوة ليس عنده سوى العقلِ، والعقلُ لا يُوجِبُ ولا يَحظُرُ، وينكشفُ من مذهبُه تجويزُ عذاب الأطفالِ مع كونِهم لا رِسالَةَ وصَلَتْهم، ولا خطابَ انصرفَ إليهمَ، ولا عقول تُرشِدُهم، فهذه مناقضةٌ لإِبطالِ مذهبِ المبطِلِ.

وكمعارضةِ من يَكشفُ بأنه لا يجوزُتكليفُ ما لا يطاقُ؛ بقولِه: يجوزُ تكليفُ ما يحالُ بينَ المكلَفِ وبين فعلِه.

وكمعارضةِ من قال: لا يَحسُنُ اللُّطفُ بمن يُعلَمُ أنه لا يَنتفعُ به، بقولِه: يجوزُ تكليفُ مَنِ المعلومُ أنه لا ينتفعُ بتكليفِه.


(١) رسمت في الأصل: "مكل".
(٢) في الأصل: "ينكشف".

<<  <  ج: ص:  >  >>