للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في أدلتنا (١)

فمنها: أنَ أهلَ اللغةِ سموا هذا نكرةً، ولو كان للجنسِ، لما سمَّوه نكرةً؛ لأنَّ الجنسَ معرفةٌ؛ لأنَه معروف كُلّه غيرُ منكَرٍ عندَهم، ولا يختلطُ بغيرِه، بل هو مستوعَب مُنقطع عن غير الجنس.

ومنها: أنه نكرةٌ في الإثبات، فلم يقتضِ العمومَ، كالاسمِ المفردِ.

ومنها: أنَه يصحُ تأكيدُه بـ (ما)، فتقول: رأيتُ رجالاً ما، ولو كان يقتضي الجنس لما حسن تأكيده بما؛ لأنَّ قولَ القائلِ: عندي دراهمُ، وجاءني رجالٌ ما، يريدُ به التقليل، والتقليلُ ينافي الاستغرافَ، ولهذا قال سبحانه: {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤]، فصرح بالقلّةِ في حرف (ما)، ألا ترى أنه إذا دخلَ الألفُ والَّلامُ عليه لم يحسُن دخول (ما)، فلا يقال: الرجالُ ما.

شبهةُ أهلِ العمومِ أن قالوا: لو لم يَقْتضِ الجنسَ لما حسُنَ الاستثناءُ لكلِّ واحدٍ من الجنسِ، فلما حسُنَ استثناءُ كلِّ واحدٍ منه عُلمَ دخولُه فيه وبحَسبِه، إذ لا يخرجُ بالاستثناءِ إلا ما دخلَ في اللفظِ.

فيقال: لا نسلِّم، بل لا يجوزُ الاستثناءُ من ألفاظِ الجموعِ إذا تجردت عن الألفِ واللامِ، فلا نقولُ: رجالاً إلا زيداً وعَمْراً.

على أنَا لو سلمنا توسعةَ الكلامِ؛ فإنَ الاستثناءَ يُخرجُ البعضَ من الكُلِّ، ويخرجُ البعضَ من البعضِ، ومهما كانَ الجمعُ محتمِلاً لإخراجِ بعضِه، صحَ الاستثناءُ منه بحسَبِه، ولا يعطي هذا استِغْراقَ الجنسِ.


(١) انظر في ذلك "العُدة" ٢/ ٥٢٤ - ٥٢٥، و"التمهيد"٢/ ٥٠ - ٥٢، و"المسودة" ص ١٠٦، و"شرح الكوكب المنير" ٣/ ١٤٢ - ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>