للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نفسه وَيبِينُ العُوارُ (١) الذي فيه، وينكشفُ عند الحاضرين التَمويهُ الذي وقعَ به.

وكذلك إذا أردْتَ أن تمتحنَ معنىً قد أتى به بليغٌ، فانْقُلْه إلى غير تلك العبارةِ، ثم تأمَّلْه، فإن كان حسناً في نفسه فإنه لا يُبطِلُ حُسْنَه نقلُه من عبارة إلى عبارة، كما لا يُبْطِلُ حُسْنَه نقلُه من الفارسيَّةِ إلى العربيَّةِ، وإذا كانت عبارةُ السائلِ أو المُستدِلِّ تَقصُرُه عن تحقيق الحُجَّةِ والشُبهةِ، وكان خصمُه قادراً على إخراجها إلى عبارة ينكشفُ بها قُوَّةُ كلامِه، فينبغي أن يُخرِجَها بعبارته إلى الِإيضاح، فإن اتَّضَحَ فيها الحقُّ اتَّبَعَه، وإن كان ذلك شُبهةً بعد إيضاحها زَيَّفَه (٢) وأبطَله.

وإذا كان أحدُ الخصمين في الجدلِ قد أخطأ في بعض المذاهب، فاحذَر الاغترارَ بذلك، فإنه ليس في خطئه في مذهب دليلٌ على أنهَ قد أخطأ في مذهب آخرَ، كما ليس في كذبه في خبر دليلٌ علىِ أنه قد كذبَ في خبر آخرَ أَخْبَرَ به، فلا تَلتَفِتْ إلى التَّمويهِ بأن بعض مذاهبِ فلانٍ يَتعلقُ ببعض، فإن فسدَ واحد منها (٣) فسدَ جميعُها، فإن ذلك يَحملُك على التخطئة بغير بصيرةٍ لِمَنْ لعلَّه أن يكونَ مصيباً فيما أتى به، فاعْتَبِرْ ذلك، ولا تَتَكِلْ على مثل هذا المعنى، ولكِنْ إذا كَثُرَ خطؤه، أوجبَ ذلك تُهْمَةً لمذهبه، وقِلَّةَ سكونٍ إلى اختياره، من غير أن يُحصِّلَ ذلك دليلًا على فسادِه لا مَحَالَةَ.


(١) العُوار -مثلثة العين-: العيب. "القاموس المحيط" (عور).
(٢) أي أظهر زَيْفَه ورَدَّه، من قولهم: زَيف الدراهم تزييفاً: إذا أظهر زَيْفها، ورَدَّها لِغشٍّ فيها." المصباح المنير"، و"اللسان" (زيف).
(٣) في الأصل: "منهما" على التثنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>