للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوضًحُ هذا: أن أهلَ العلمِ أجمعُوا على أن للحدِّ حقيقةً، وهو قولُهم: حدُّ الحدِّ، فقالوا: هو قول وجيزٌ يُنْبِىءُ عن حقيقةِ الشيءِ.

وقال بعضُهم: الجامعُ لجنسِ ما فَرَّقَه التَّفصيلُ.

وقال قوم: هو الجامعُ المانعُ.

وقال قوم: قولٌ وجيزٌ محيطٌ بالمحدودِ، دالٌّ على جنسِهِ.

وقيل: قولٌ وجيزٌ يدورُ على المحدودِ بالانعكاسِ، كقولك: كلُّ جسمٍ فهو جَوْهَرٌ آخِذٌ في الجهاتِ، وكلُّ جوهرٍ آخذٍ في الجهات فهو (١) جسم.

وقيل: الحدُّ ما أحاطَ بالمحدودِ، فمَنَعَ أن يَدْخُلَ فيه ما ليس منه، أويَخْرُج عنه ما هو منه (٢).

وقيل: الحدُ هو الجوابُ في سؤالِ ما هو؟ وأصلُه: المنعُ في اللغة، ومنه سُمَّيَ البوَّابُ حَدّاداً لمنعِه، وسُميَ الإِحدادُ في العِدَّةِ لمنع المرأةِ به التَّطَيُّبَ ودواعيَ الجماع، وسُمِّىَ الحديدُ حديداً لمنع السِّلاحِ (٣)، كما قال سبحانه: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: ٨٠]،وسمي الحدُّ المشروعُ حدًّا لمنعِه من ارتكابِ الجرائمِ، وحدودُ الدار والملكِ هو المانعُ من دخولِ ملكِ غيرهِ فيه، فهو مشترَكٌ بين هندسيٍّ، وفلسفيٍّ، وفقهيٍّ، وأصلُه: الجَمْعُ والمَنْعُ، وإن اختلفت


(١) تحرفت في الأصل إلى: "فهم".
(٢) انظر فيما قيل في الحد "العدة" ١/ ٧٤ - ٧٥، وشرح اللمع " ١/ ٨١ - ٨٢.
(٣) عبارة أبي يعلى في "العدة" ١/ ٧٥: "لأنه يمنع من وصول السلاخ الى المتحصن به".

<<  <  ج: ص:  >  >>