للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستصحابُ الحالِ على هذه المذاهبِ الثلاثةِ صحيحٌ:

فالقائلُ بالإباحةِ يَسْتَصحِبُ ما دَل العقلُ عليه؛ مِن أن هذه الأمورَ غيرُ مفروضةٍ، وأنه لا سبيلَ إلى إيجابها إلا بالسمْعِ، وإلا فبراءةُ الذمة مُستِقرٌّ من ناحيةِ العقلِ.

والقائلُ بالحظر يقولُ: إِنَّ الأموالَ والدِّماءَ والفُروجَ وغيرَ ذلك من هذه الأفعالِ ممنوع محظورٌ، إلا انْ يَنقُلهُ السمعُ وُيغيرَ حُكمهُ.

ومن قال بالوقفِ قال: الأصلُ أنَّ لا فَرْضَ، وان الذمة بَريئةٌ من كلُّ فرض مما سموه عقلياً وسمعيا. فإذا سُئِلَ هذا القائلُ عن وجوب الكَفَّارةِ، أو غُرْمِ قيمةِ مُتْلَفٍ أو صلاةٍ، أو بعضَ العباداتِ، صَح أنَ يقولَ: قد دَل الله سبحانه في الأصلِ على براءةِ الذمة، فلا نَشْغَلُها بوجوب شيءٍ إلا بسَمْعٍ. وهذا عَيْنُ الاستصحاب؛ لأنه تعلق بحالٍ قد دَلَ دليلُ العقلِ عليها، فهو كالرجُّوعِ إِلى التعلُّقِ بالحالِ الذي دَل السمعُ من النًص والظاهرِ عليها.

فصل

في ذِكرِ الطعْنِ في التَعلُّقِ باستصحابِ الوقفِ

فقال قومٌ: إنما يَسُوغُ هذا الاستصحابُ لقائل يقولُ بالحظْر والإِباحةِ، لأن ذلك قولٌ بمذهبٍ وحكمٍ قد ثبَتَ، والقول بالوقفِ ليس برجوعٍ إلى حُكم ثابتٍ.

وما اصابوا في هذا، والدلالةُ على فسادِه: أنَّ القول بالوقفِ هو نفْسُ القولِ ببراءةِ الذِّمَّةِ وزوالِ الفرضِ من ناحيةِ العقل، فقد شارَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>