للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضدُّ القبول، ونحن نقول: إنَ العملَ على الوجْه المنهيَّ لا ثوابَ فيه، لكنه صحيح بمعنى أنه ليس بعاطلٍ ولا باطلٍ، بلى إن كانت عبادةً سقطَ بها الفرضُ، ولا ثوابَ، وإن كان عقداً صحَ من حيث المِلكُ ونقلُ العوضِ والمُعوّضِ إلى المتعاوضين، لكن عليه مأثم ارتكاب النهي، فهذا معنى الرد، فأما الإفساد، فلا وجه له، ولا يعطيه لفظُ الردّ.

ومنها: أنه يُحتملُ: من عمل العملَ الذي ليس عليه أمرُ الشرع، فالفاعلُ لذلك رد، وهو أقربُ إلى حرف هو، وكأنه قال: فالعامل رد بمعنى مردود، والعربُ تُسمّي الفاعلَ بالفعل، وأنشدونا:

تَرعى إذا غَفَلت حتى إذا ادَّكَرت ... فإنما هي إقْبالٌ وإدبارُ (١)

يعني: فهي مُقبلةٌ مدبرة، ويريد به الغزالة التي اصطيدَ خِشْفُها، ترعى عند نيسانها إياه، فإذا ادّكرته صارت مُقبلةً لطلبه ومُدبرة تذكراً له.

ومنها: أنَ قولَه: "من أدخل في ديينا ما ليس فيه -أو منه- فهو ردٌّ" لا يعود إلى أصلِ العمل، ولا أصلِ الدين، لكن إن أدخل في الصلاةِ التفاتاً، أو في الوضوء كدفعةٍ رابعة، أو في الحصى زيادةً على السبعين، فذلك الزائد رد، وكذا نقول، فأمَّا أصلُ الصلاة، وأصلُ الطهارة، ورمي الجمار فلا يعطي اللفظُ أن يكون رداً. ومنها: أنَ ذهابَ الصحابة إلى الإبطال بقرائنَ اقترنت بالفاظِ النهي لا بمجرّد النهىّ, وذلك محتمل، فنحمله عليه بدلائلنا التي نذكرها.

فصل

في الأجوبةِ عن أسئلتهم

فأمَّا قولُهم: إنه من أخبارِ الآحاد المتلقّاةِ بالقبول، ومثلُ ذلك يصلح لإثبات أصول الديانات عندنا، فكيف بأصول يُسوَّغ فيها الاجتهاد؟


(١) البيت للخنساء، وقد تقدم في الصفحة (٢٠٥) من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>